وَالْأَرْوَاثِ ، أَوْ أَنْ يُقَالَ : عُفِيَ عَنْهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْحَاجَةِ ، كَمَا يُعْفَى عَنْ رِيقِ الْكَلْبِ فِي بَدَنِ الصَّيْدِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَكَمَا يَطْهُرُ مَحَلُّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ الْحَاجَاتِ .فَيُقَالُ : الْأَصْلُ فِيمَا اسْتَحَلَّ جَرَيَانُهُ عَلَى وِفَاقِ الْأَصْلِ ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اسْتِحْلَالَ هَذَا مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ فَقَدْ ادَّعَى مَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ قَوِيَّةٍ ، وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْحُجَّةِ مَا يُوجِبُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا مُخَالِفاً لِلْأَصْلِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ قَامَ دَلِيلٌ يُوجِبُ الْحَظْرَ لَأَمْكَنَ أَنْ يُسْتَثْنَى هَذَا الْمَوْضِعُ .فَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الْعُمُومِ الضَّعِيفِ ، وَالْقِيَاسِ الضَّعِيفِ ، فَدَلَالَةُ هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى الطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ تِلْكَ عَلَى النَّجَاسَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ .عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ طَهَارَتِهَا وَالْعَفْوَ عَنْهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَحَدُ مَوَارِدِ الْخِلَافِ ، فَيَبْقَى إلْحَاقُ الْبَاقِي بِهِ بِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ ، وَمِنْ جِنْسِ هَذَا : الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ : وَهُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ ، عَلَى دِيَاسِ الْحُبُوبِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا بِالْبَقَرِ وَنَحْوِهَا ، مَعَ الْقَطْعِ بِبَوْلِهَا وَرَوْثِهَا عَلَى الْحِنْطَةِ ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مُنْكِرٌ ، وَلَمْ يَغْسِلْ الْحِنْطَةَ لِأَجْلِ هَذَا أَحَدٌ ، وَلَا اُحْتُرِزَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا فِي الْبَيَادِرِ لِوُصُولِ الْبَوْلِ إلَيْهِ ، وَالْعِلْمُ بِهَذَا كُلِّهِ عِلْمٌ اضْطِرَارِيٌّ مَا أَعْلَمُ عَلَيْهِ سُؤَالاً ، وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ يُخَالِفُ هَذَا شُبْهَةً .وَهَذَا الْعَمَلُ إلَى زَمَانِنَا مُتَّصِلٌ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ ، لَكِنْ لَمْ نَحْتَجَّ بِإِجْمَاعِ الْأَعْصَارِ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا هَذَا الْخِلَافُ ، لِئَلَّا يَقُولَ الْمُخَالِفُ : أَنَا أُخَالِفُ فِي هَذَا ، وَإِنَّمَا احْتَجَجْنَا بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَ ظُهُورِ الْخِلَافِ .وَهَذَا الْإِجْمَاعُ مِنْ جِنْسٍ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كَوْنِهِمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ الْحِنْطَةَ وَيَلْبَسُونَ الثِّيَابَ وَيَسْكُنُونَ الْبِنَاءَ ، فَإِنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ تُزْرَعُ ، وَنَتَيَقَّنُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ ذَلِكَ الْحَبَّ وَيُقَرُّونَ عَلَى أَكْلِهِ ، وَنَتَيَقَّنُ أَنَّ الْحُبَّ لَا يُدَاسُ إلَّا بِالدَّوَابِّ ، وَنَتَيَقَّنُ أَنْ لَا بُدَّ أَنْ تَبُولَ عَلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي يَبْقَى أَيَّاماً ، وَيَطُولُ دِيَاسُهَا لَهُ ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مُقَدِّمَاتٌ يَقِينِيَّةٌ .الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ : وَهُوَ الْخَامِسَ عَشَرَ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :