الْأَوَّلِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ بَطَلَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ .وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ .الْوَجْهُ الْعَاشِرُ : وَهُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْحَقِيقَةِ : أَنَّا نَعْلَمُ يَقِيناً أَنَّ الْحُبُوبَ مِنْ الشَّعِيرِ ، وَالْبَيْضَاءِ ، وَالذُّرَةِ ، وَنَحْوِهَا كَانَتْ تُزْرَعُ فِي مَزَارِعِ الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، وَيُعْلَمُ أَنَّ الدَّوَابَّ إذَا دَاسَتْ فَلَا بُدَّ أَنْ تَرُوثَ وَتَبُولَ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُنَجِّسُ الْحُبُوبَ لَحُرِّمَتْ مُطْلَقاً ، أَوْ لَوَجَبَ تَنْجِيسُهَا .وَقَدْ أَسْلَمَتْ الْحِجَازُ ، وَالْيَمَنُ وَنَجْدٌ ، وَسَائِرُ جَزَائِرِ الْعَرَبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَ إلَيْهِمْ سُعَاتَهُ وَعُمَّالَهُ يَأْخُذُونَ عُشُورَ حُبُوبِهِمْ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا ، وَكَانَتْ سَمْرَاءُ الشَّامِ تُجْلَبُ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى عَهْدِهِ .وَعَامَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ تَمْرٍ وَزَرْعٍ ، وَكَانَ يُعْطِي الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقَ شَعِيرٍ مِنْ غَلَّةِ خَيْبَرَ ، وَكُلُّ هَذِهِ تُدَاسُ بِالدَّوَابِّ الَّتِي تَرُوثُ وَتَبُولُ عَلَيْهَا ، فَلَوْ كَانَتْ تُنَجَّسُ بِذَلِكَ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى أَقَلِّ الْأَحْوَالِ تَطْهِيرَ الْحَبِّ وَغَسْلَهُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ، وَلَا فُعِلَ عَلَى عَهْدِهِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَتِهَا .وَلَا يُقَالُ : هُوَ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّ ذَلِكَ الْحَبَّ الَّذِي أَكَلَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْبَوْلُ ، وَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ ، لِأَنَّا نَقُولُ فَصَاحِبُ الْحَبِّ قَدْ تَيَقَّنَ نَجَاسَةَ بَعْضِ حَبِّهِ ، وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْجَمِيعِ ، بَلْ الْوَاجِبُ تَطْهِيرُ الْجَمِيعِ ، كَمَا إذَا عَلِمَ نَجَاسَةَ بَعْضِ الْبَدَنِ ، أَوْ الثَّوْبِ ، أَوْ الْأَرْضِ ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ مَكَانُ النَّجَاسَةِ غَسَلَ مَا يَتَيَقَّنُ بِهِ غَسْلَهَا .وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ .ثُمَّ اشْتِبَاهُ الطَّاهِرِ بِالنَّجَسِ نَوْعٌ مِنْ اشْتِبَاهِ الطَّعَامِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ ، فَكَيْفَ يُبَاحُ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ ، ؟فَإِنَّ الْقَائِلَ إمَّا أَنْ يَقُولَ : يَحْرُمُ الْجَمِيعُ ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ بِالتَّحَرِّي .فَأَمَّا الْأَكْلُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِلَا تَحَرٍّ فَلَا أَعْرِفُ أَحَداً جَوَّزَهُ ، وَإِنَّمَا يَسْتَمْسِكُ بِالْأَصْلِ مَعَ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ .وَلَا مَحِيصَ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ إلَّا إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ ، إمَّا أَنْ يُقَالَ بِطَهَارَةِ هَذِهِ الْأَبْوَالِ