{ وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } .فَأَمَرَ بِتَطْهِيرِ بَيْتِهِ الَّذِي هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ، وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أَمَرَ بِتَنْظِيفِ الْمَسَاجِدِ ، وَقَالَ : جُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِداً وَطَهُوراً } " وَقَالَ : " { الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ } " .وَمَعْلُومٌ قَطْعاً أَنَّ الْحَمَامَ لَمْ يَزَلْ مُلَازِماً لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، لِأَمْنِهِ وَعِبَادَةِ بَيْتِ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ ذَرْقُهُ يَنْزِلُ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَطَافِ وَالْمُصَلَّى ، فَلَوْ كَانَ نَجِساً لَتَنَجَّسَ الْمَسْجِدُ بِذَلِكَ .وَلَوَجَبَ تَطْهِيرُ الْمَسْجِدِ مِنْهُ ، إمَّا بِإِبْعَادِ الْحَمَامِ ، أَوْ بِتَطْهِيرِ الْمَسْجِدِ ، أَوْ بِتَسْقِيفِ الْمَسْجِدِ ، وَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِي أَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ وَأُمِّهَا وَسَيِّدِهَا لِنَجَاسَةِ أَرْضِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ يَقِيناً .وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْنِ : إمَّا طَهَارَتُهُ مُطْلَقاً ، أَوْ الْعَفْوُ عَنْهُ ، كَمَا فِي الدَّلِيلِ قَبْلَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا رُجْحَانَ الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ .الدَّلِيلُ الثَّالِثَ عَشَرَ : وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ السَّادِسَ عَشَرَ : مَسْلَكُ التَّشْبِيهِ وَالتَّوْجِيهِ ، فَنَقُولُ وَاَللَّهُ الْهَادِي : اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ ، وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ ، إنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِافْتِرَاقِ حَقِيقَتِهِمَا ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ هَذَا طَيِّباً ، وَهَذَا خَبِيثاً .وَأَسْبَابُ التَّحْرِيمِ : إمَّا لِقُوَّةِ السَّبُعِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي نَفْسِ الْبَهِيمَةِ ، فَأَكْلُهَا يُورِثُ نَبَاتَ أَبْدَانِنَا مِنْهَا ، فَتَصِيرُ أَخْلَاقُ النَّاسِ أَخْلَاقَ السِّبَاعِ ، أَوْ لِمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ ، وَإِمَّا خُبْثُ مَطْعَمِهَا كَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ مِنْ الطَّيْرِ ؛ أَوْ