وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : فِيمَنْ يُصَلِّي وَقَدْ أَصَابَهُ السِّرْقِينُ ، قَالَ : لَا بَأْسَ ، وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ : أَصَابَتْ عِمَامَتَهُ بَوْلُ بَعِيرٍ فَقَالَا جَمِيعاً : لَا بَأْسَ ، وَسَأَلَهُمَا جَعْفَرٌ الصَّادِقُ ، وَهُوَ أَشْبَهَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَسْلِ إمَّا ضَعِيفٌ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَالتَّنْظِيفِ ، فَإِنَّ نَافِعاً لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَيْهِ طَرِيقَةُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَكَادُ يُخَالِفُهُ وَالْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَلْفَاظٌ إنْ ثَبَتَتْ فَلَيْسَتْ صَرِيحَةً بِنَجَاسَةِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، مِثْلُ مَا رَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ أَنَّهُ قَالَ : الْبَوْلُ كُلُّهُ يُغْسَلُ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْغَنَمِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بَوْلَ الْإِنْسَانِ ، الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ .وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ : الْأَبْوَالُ كُلُّهَا أَنْجَاسٌ .فَلَعَلَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ إنْ ثَبَتَ عَنْهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ : أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ الْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهَا .وَمِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ : أَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ النَّجَاسَةِ ، بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّنْجِيسَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُحْدَثَةِ فَيَكُونُ مَرْدُوداً بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إبْطَالِ الْحَوَادِثِ ، لَا سِيَّمَا مَقَالَةٌ مُحْدَثَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَعْيَانَ الْمَوْجُودَةَ فِي زَمَانِهِمْ وَمَكَانِهِمْ ، إذَا أَمْسَكُوا عَنْ تَحْرِيمِهَا وَتَنْجِيسِهَا ، مَعَ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ كَانَ تَحْرِيمُهَا وَتَنْجِيسُهَا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُمْسِكُوا عَنْ بَيَانِ أَفْعَالٍ يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ وُجُوبِهَا لَوْ كَانَ ثَابِتاً ، فَيَجِيءُ مَنْ بَعْدَهُمْ فَيُوجِبُهَا ، وَمَتَى قَامَ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ أَوْ الْوُجُوبِ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا وُجُوباً وَلَا تَحْرِيماً ، كَانَ إجْمَاعاً عَنْهُمْ عَلَى عَدَمِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُعْتَمَدَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ ، وَهِيَ أَصْلٌ عَظِيمٌ يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ يَتَأَمَّلَهَا ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ غَوْرِهَا ، لَكِنْ لَا يُسَلَّمُ إلَّا بِعَدَمِ ظُهُورِ الْخِلَافِ فِي الصَّدْرِ