وَأَمَّا اخْتِصَاصُهَا بِالْحَدِّ ، فَإِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْمَيْتَةِ أَيْضاً ، وَالدَّمِ ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ، لَكِنْ الْفَرْقُ أَنَّ فِي النُّفُوسِ دَاعِياً طَبِيعِيّاً ، وَبَاعِثاً إرَادِيّاً إلَى الْخَمْرِ .فَنُصِبَ رَادِعٌ شَرْعِيٌّ وَزَاجِرٌ دُنْيَوِيٌّ أَيْضاً لِيَتَقَابَلَا ، وَيَكُونُ مَدْعَاةً إلَى قِلَّةِ شُرْبِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُهَا مِمَّا لَيْسَ فِي النُّفُوسِ إلَيْهِ كَثِيرُ مَيْلٍ ، وَلَا عَظِيمُ طَلَبٍ .الْوَجْهُ الثَّالِثُ : مَا رَوَى حَسَّانُ بْنُ مُخَارِقٍ قَالَ : قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : { اشْتَكَتْ بِنْتٌ لِي فَنَبَذْت لَهَا فِي كُوزٍ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْلِي ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟فَقُلْت إنَّ بِنْتِي اشْتَكَتْ فَنَبَذْنَا لَهَا هَذَا ، فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ } " .رَوَاهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : " { إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } " وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ .وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ .الْوَجْهُ الرَّابِعُ : مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ : أَنَّ رَجُلاً وُصِفَ لَهُ ضُفْدَعٌ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ ، فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ وَقَالَ : " { إنَّ نَقْنَقَتَهَا تَسْبِيحٌ } " .فَهَذَا حَيَوَانٌ مُحَرَّمٌ ، وَلَمْ يُبَحْ لِلتَّدَاوِي ، وَهُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَلَعَلَّ تَحْرِيمَ الضُّفْدَعِ أَخَفُّ مِنْ تَحْرِيمِ الْخَبَائِثِ غَيْرِهَا ، فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهَا إنَّ نَقْنَقَتَهَا تَسْبِيحٌ ، فَمَا ظَنُّك بِالْخِنْزِيرِ ، وَالْمَيْتَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ لَك اسْتِخْفَافُهُ بِطَلَبِ الطِّبِّ ، وَاقْتِضَائِهِ وَإِجْرَائِهِ مَجْرَى الرِّفْقِ بِالْمَرِيضِ ، وَتَطْيِيبِ قَلْبِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ : أَنَا طَبِيبٌ قَالَ : " { أَنْتَ رَفِيقٌ ، وَاَللَّهُ الطَّبِيبُ } " .