وعلى هذا النحو جرى بعضهم في تحريم نكاح المحلل وأنه بدعة منكرة من حيث وجد في زمانه عليه لاسلام المعنى المقتضى للتخفيف والترخيص للزوجين بإجازة التحليل ليتراجعا كما كانا أول مرة وأنه لما لم يشرع ذلك مع حرص امرأة رفاعة على رجوعها إليه دل على أن التحليل ليس بمشروع لها ولا لغيرها وهو أصل صحيح إذا اعتبر وضح به ما نحن بصدده لأن التزام الدعاء بآثار الصلوات جهرا للحاضرين في مساجد الجماعات لو كان صحيحا شرعا أو جائزا لكان النبي صلى الله عليه أولى بذلك أن يفعله وقد علل المنكر هذا الموضع بعلل تقتضى المشروعية وبنى على فرض أنه لم يأت ما يخالفه وأن الأصل الجواز في كل مسكوت عنه أما ان الأصل الجواز فيمتنع لان طائفة من العلماء يذهبون إلى أن الأشياء قبل وجود الشرع على المنع دون الإباحة فما الدليل على ما قال من الجواز وإن سلمنا له ما قال فهل هو على الإطلاق أم لا أما في العاديات فمسلم ولا نسلم أن ما نحن فيه من العاديات بل من العبادات ولا يصح أن يقال فيما فيه تعبد إنه مختلف فيه على قولين هل هو على المنع أم هو على الإباحة بل هو أمر زائد على المنع لأن التعبديات إنما وضعوا للشارع فلا يقال في صلاة سادسة - مثلا - إنها على الإباحة فللمكلف وضعها - على أحد القولين - ليتعبد بها لله لأنه باطل بإطلاق وهو أصل كل مبتدع يريد أن يستدرك على الشارع ولو سلم أنه من قبيل العاديات أو من قبيل ما يعقل معناه فلا يصح العمل به أيضا لان ترك العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عمره وترك السلف الصالح له على توالى أزمنتهم قد تقدم أنه نص في الترك وإجماع من كل من ترك لان عمل الإجماع كنصه - كما أشار إليه مالك في كلامه وأيضا فما يعلل له لا يصح التعليل به وقد أتى الراد بأوجه منه أحدها أن الدعاء بتلك الهيئة ليظهر وجه التشريع في الدعاء وأنه بآثار الصلوات مطلوب وما قاله يقتضى أن يكون سنة بسبب الدوام والإظهار في الجماعات والمساجد وليس بسنة اتفاقا منا ومنه فانقلب إذا وجه التشريع وأيضا فإن إظهار التشريع كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أولى فكانت تلك الكيفية المتكلم فيها أولى للإظهار ولما لم يفعله عليه الصلاة والسلام دل على الترك مع وجود المعنى المقتضى فلا يمكن بعد زمانه في تلك الكيفية إلا الترك .