يفعل وجعل في الأوامر إذا تركت والنواهي إذا ارتكبت جزاءا على خلاف الأول ليكون جميع ذلك منهضا لعزائم المكلفين في الامتثال حتى إنه وضع لأهل الامتثال الثائرين على المبايعة في أنفس التكاليف أنواعا من اللذات العاجلة والأنوار الشارحة للصدور مالا يعدله من لذات الدنيا شئ حتى يكون سببا لاستلذاذ الطاعة والفرار إليها وتفضيلها على غيرها فيخف على العامل العمل حتى يتحمل منه لما لم يكن قادرا قبل على تحمله إلا بالمشقة المنهى عنها فإذا سقطت سقط النهى بل تأملوا كيف وضع للأطعمة على اختلافها لذات مختلفات الألوان وللأشربة كذلك وللوقوع الموضوع سببا لاكتساب العيال - وهو أشد تعبا عن النفس - لذة أعلى من لذة المطعم والمشرب إلى غير ذلك من الأمور الخارجة عن نسف المتناول كوضع القبول في الأرض وترفيع المنازل والتقدم على سائر الناس في الأمور العظائم وهي أيضا تقتضى لذات تستصغر في جنبها لذات الدنيا وإذا كان كذلك فأين هذا الموضع الكريم من الرب اللطيف الخبير فمن يأتي متعبدا بزعمه بخلاف ما وضع الشارع له من الرفق والتيسير والأسباب الموصلة إلى محبته فيأخذ بالأشق والأصعب ويجعله هو السلم الموصل والطريق الأخص هل هذا كله إلى غاية في الجهالة وتلف في تيه الضلالة عافانا الله من ذلك بفضله فإذا سمعتم بحكاية تقتضى تشديدا على هذا السبيل أو يظهر منها تنطع أو تكلف فإما أن يكون صاحبها ممن يعتبر كالسلف الصالح أو من غيرهم ممن لا يعرف ولا ثبت اعتباره عند أهل الحل والعقد من العلماء فإن كان الأول فلا بد أن يكون على خلاف ما ظهر لبادي الرأي - كما تقدم - وإن كان الثاني فلا حجة فيه وإنما الحجة في المقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم . فهذه خمسة في التشديد في سلوك طريق الآخرة يقاس عليها ما سواها . فصل قد يكون أصل العمل مشروعا ولكنه يصير جاريا مجرى البدعة من باب الذرائع ولكن على غير الوجه الذي فرغنا من ذكره وبيانه أن العمل يكون مندوبا إليه - مثلا - فيعمل به العامل في خاصة نفسه على وضعه الأول من الندبية فلو اقتصر العامل على هذا