السماع تحصل عنه آثار الكون والخضوع فهو رقة وهو التواجد الذي أشار إليه كلام المجيب - ولا شك أنه محمود - وكل تأثر يحصل عنه ضد السكون فهو طرب لا رقة فيه ولا تواجد ولا هو عند شيوخ الصوفية محمود لكن هؤلاء الفقراء ليس لهم من التواجد - في الغالب - إلا الثاني المذموم فهم إذا متواجدون بالنغم واللحون لا يدركون من معاني الحكمة شيئا فقد باؤوا إذا بأخسر الصفقتين . نعوذ بالله وإنما جاءهم الغلط من جهة اختلاط المناطين عليهم ومن جهة أنهم استدلوا بغير هم فقوله تعالى « ففروا إلى الله » وقوله « لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا » لا دليل فيه على هذا المعنى وكذلك قوله تعالى « إذ قاموا فقالوا ربنا » أين فيه أنهم قاموا يرقصون أو يزفنون أو يدورون على اقدامهم ونحو ذلك فهو من الاستدلال الداخل تحت هذا الجواب ووقع في كلام المجيب لفظ السماع عير مفسر ففهم منه المحتج أنه الغناء الذي تستعمله شيعته وهو فهم عموم الناس لا فهم الصوفية فإنه عندهم يطلق على كل صوت أفاد حكمة يخضع لها القلب ويلين لها الجلد وهو الذي يتواجدون عنده التواجد المحمود فسماع القرآن عندهم سماع وكذلك سماع السنة وكلام الحكماء والفضلاء حتى أصوات الطير وخرير الماء وصرير الباب ومنه سماع المنظوم أيضا إذا أعطى حكمة ولا يستمعون هذا الأخير إلا في الفرط وعلى غير استعداد وعلى غير وجه الالتذاذ والإطراب ولا هم ممن يداوم عليه أو يتخذه عادة لأن ذلك كله قادح في مقاصدهم التي بنوا عليها قال الجنيد إذا رأيت المريد يحب السماع فأعلم أن فيه بقية من البطالة . وإنما لهم من سماعه إذا اتفق وجه الحكمة إن كان فيه حكمة فاستوى عندهم النظم والنثر وإن أطلق أحد منهم السماع فمن حيث فهم الحكمة لا من حيث يلائم الطباع لأن من سمعه من حيث يستحسنه فهو متعرض للفتنة فيصير إلى ما صار إليه السماع الملذ المطرب .