وقيل لعائشة رضى الله عنها إن قوما إذا سمعوا القرآن يغشى عليهم فقالت إن القرآن أكرم من أن تنزف عنه عقول الرجال ولكنه - كما قال الله تعالى « تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله » وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه سئل عن القوم يقرأ عليهم القرآن فيصعقون فقال ذلك فعل الخوارج وخرج أبو نعيم على جابر بن عبد الله أن ابن الزبير رضى الله تعالى عنه قال جئت أبى فقال أين كنت فقلت وجدت أقواما يذكرون الله فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله فقعدت معهم فقال لا تقعد بعدها فرآني كأنه لم يأخذ ذلك في فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا أفتراهم أخشع لله من أبى بكر وعمر فرأيت ذلك كذلك فتركتهم وهذا بأن ذلك كله تعمل وتكلف لا يرضى به أهل الدين وسئل محمد بن سيرين عن الرجل يقرأ عنده فيصعق فقال ميعاد ما بيننا وبينه أن يجلس على حائط ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن وقع فهو كما قال وهذا الكلام حسن في المحق والمبطل لأنه إنما كان عند الخوارج نوعا من القحة في النفوس المائلة عن الصواب وقد تغالط النفس فيه فتظنه انفعالا صحيحا وليس كذلك والدليل عليه أنه لم يظهر على أحد من الصحابة لا هو ولا ما يشبهه فإن مبناهم كان على الحق فلم يكونوا يستعملون في دين الله هذه اللعب القبيحة المسقطة للأدب والمروءة نعم قد لا ينكر اتفاق الغشي ونحوه أو الموت لمن سمع الموعظة بحق فضعف عن مصابرة الرقة الحاصلة بسببها فجعل ابن سيرين ذلك الضابط ميزانا للمحق والمبطل وهو ظاهر فإن القحة لا تبقى مع خوف السقوط من الحائط فقد اتفق من ذلك بعض النوادر وظهر فيها عذر التواجد فحكى عن أبى وائل قال خرجنا مع عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ومعنا الربيع بن خيثمة فمررنا على حداد فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط ثم إن عبد الله مضى كما هو حتى أتينا على شاطئ الفرات على أتون فلما رآه