يعد شئ من تلك العوائد ساءت ظنونهم وتوقعوا انقطاع ما هو عمدتهم في دينهم وبلغ ذلك الرشيد فجدد تأنيسهم بإعادتها قال المؤرخ فيالله ماذا بلغ من سرورهم وما كانوا فيه من الارتياح لسماع تلك الأمور وانطلقت ألسنتهم بالدعاء لخليفتهم بالنصر والتأييد وشملت الأفراح فيهم الكبير والصغير وهذا شأن صاحب البدعة فلن يسر بأعظم من انتشار بدعته وإظهارها « ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا » وهذا كله دائر على القول بالإمامة والعصمة الذي هو رأى الشيعة . فصل ومنها رأى قوم التغالي في تعظيم شيوخهم حتى ألحقوهم بما لا يستحقونه فالمقتصد منهم يزعم أنه لا ولى لله أعظم من فلان وربما أغلقوا باب الولاية دون سائر الأمة إلا هذا المذكور وهو باطل محض وبدعة فاحشة لأنه لا يمكن أن يبلغ المتأخرون أبدا مبالغ المتقدمين فخير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم وهكذا يكون الأمر أبدا إلى قيام الساعة فأقوى ما كان أهل الإسلام في دينهم وأعمالهم ويقينهم وأحوالهم في أول الإسلام ثم لا زال ينقص شيئا فشيئا إلى آخر الدنيا لكن لا يذهب الحق جملة بل لا بد من طائفة تقوم به وتعتقده وتعمل بمقتضاه على حسبهم في إيمانهم لا ما كان عليه الأولون من كل وجه لأنه لو أنفق أحد من المتأخرين وزن أحد ذهبا ما بلغ مد أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نصيفه وإذا كان ذلك في المال فكذلك في سائر شعب الإيمان بشهادة التجربة العادية ولما تقدم أول الكتاب أنه لا يزال الدين في نقص فهو أصلى لا شك فيه وهو عند أهل السنة والجماعة فكيف يعتقد بعد ذلك في أنه ولى أهل الأرض وليس في الأمة ولى غيره لكن الجهل الغالب والغلو في التعظيم والتعصب للنحل يؤدى إلى مثله أو أعظم منه والمتوسط يزعم أنه مساو للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا يأتيه الوحي بلغني هذا عن طائفة من الغالين في شيخهم الحاملين لطريقتهم في زعمهم نظير ما ادعاه بعض تلامذة الحلاج في شيخهم على الاقتصاد منهم فيه والغالي يزعم فيه أشنع من هذا كما ادعى أصحاب الحلاج في الحلاج .