منها بلا شك أنها سنن إذا لم تفهم منه الفرضية فأحرى أن لا يتناولها الدليل المستدل به فصارت من هذه الجهة بدعا محدثة بذلك وعلى ذلك ترك التزام السلف الصالح لتلك الأشياء أو عدم العمل بها وهم كانوا أحق بها وأهلها لو كانت مشروعة على مقتضى القواعد لأن الذكر قد ندب إليه الشرع ند في مواضع كثيرة حتى إنه لم يطلب في تكثير عبادة من العبادات ما طلب من التكثير من الذكر كقوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا » الآية وقوله « وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون » بخلاف سائر العبادات ومثل هذا الدعاء فإنه ذكر الله ومع ذلك فلم يلتزموا فيه كيفيات ولا قيدوه بأوقات مخصوصة بحيث تشعر باختصاص التعبد بتلك الأوقات إلا ما عينه الدليل كالغداة والعشي ولا أظهروا منه إلا ما الشارع على إظهاره كالذكر في العيدين وشبهه وما سوى ذلك فكانوا مثابرين على إخفائه وسره ولذلك قال لهم حين رفعوا أصواتهم اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وأشباهه ولم يظهروه في الجماعات فكل من خالف هذا الأصل فقد خالف إطلاق الدليل أولا لأنه قيد فيه بالرأي وخالف من كان أعرف منه بالشريعة وهم السلف الصالح رضى الله عنهم بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك العمل وهو يحب أن يعمل به خوفا أن يعمل به الناس فيفرض عليهم وفي فصل من الموافقات جملة من هذا وهو مزلة قدم فقد يتوهم أن إطلاق اللفظ يشعر بجواز كل ما يمكن في مدلوله وقوعا وليس خصوصا في العبادات فإنها محمولة على التعبد على حسب ما تلقى النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح كالصلوات حين وضعت بعيدة عن مدارك العقول في أركانها وترتيبها وأزمانها وكيفياتها ومقاديرها وسائر ما كان مثلها - حسبما يذكر في باب المصالح المرسلة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى - فلا يدخل العبادات الرأي والاستحسان هكذا مطلقا لأنه كالمنافي لوضعها ولأن العقول لا تدرك معانيها على التفصيل وكذلك حافظ العلماء على ترك إجراء القياس فيها كمالك بن أنس رضى الله عنه