وحين خص أهل الزيغ باتباع المتشابه دل التخصيص على أن الراسخين لا يتبعونه فإذا لا يتبعون إلا المحكم وهو أم الكتاب ومعظمه فكل دليل خاص أو عام شهد له معظم الشريعة فهو الدليل الصحيح وما سواه فاسد إذ ليس بين الصحيح والفاسد واسطة في الأدلة يستند إليها إذ لو كان ثالث لنصت عليه الآية ثم لما خص الزائغون بكونهم يتبعون المتشابه أيضا علم أن الراسخين لا يتبعونه فإن تأولوه فبالرد إلى المحكم بأن أمكن حمله على المحكم بمقتضى القواعد فهذا المتشابه الإضافي لا الحقيقي وليس في الآية نص على حكمه بالنسبة إلى الراسخين فليرجع عندهم إلى المحكم الذي هو أم الكتاب وإن لم يتأولوه بناء على أنه متشابه حقيقي فيقابلونه بالتسليم وقولهم آمنا به كل من عند ربنا وهؤلاء هم أولوا الألباب وكذلك ذكر في أهل الزيغ أنهم يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة فهم يطلبون به أهواءهم لحصول الفتنة فليس في نظرهم إذا في الدليل نظر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمه بل نظر من حكم بالهوى ثم أتى بالدليل كالشاهد له ولم يذكر مثل ذلك في الراسخين فهم إذن بضد هؤلاء حيث وقفوا في المتشابه فلم يحكموا فيه ولا عليه سوى التسليم وهذا المعنى خاص بمن طلب الحق من الأدلة لا يدخل فيه من طلب في الأدلة ما يصحح هواه السابق والقسم الثاني من ليس براسخ في العلم وهو الزائغ فحصل له من الآية وصفان أحدهما بالنص وهو الزيغ لقوله تعالى « فأما الذين في قلوبهم زيغ » والزيغ هو الميل عن الصراط المستقيم وهو ذم لهم والوصف الثاني بالمعنى الذي عطاه التقسيم وهو عدم الرسوخ في العلم وكل منفى عنه الرسوخ فإلى الجهل ما هو مائل ومن جهة الجهل حصل له الزيع لأن من نفى عنه طريق الاستنباط واتباع الأدلة لبعض الجهالات لم يحل له أن يتبع الأدلة المحكمة ولا