فأنت ترى أنهم قدموا أهواءهم على الشرع ولذلك سموا في بعض الأحاديث وفي إشارة القرآن أهل الأهواء وذلك لغلبة الهوى على عقولهم واشتهاره فيهم لأن التسمية بالمشتق انما يطلق اطلاق اللقب إذا غلب ما اشتقت منه على المسمى بها فإذا تأثيم من هذه صفته ظاهر لأن مرجعه إلى اتباع الرأي وهو اتباع الهوى المذكور آنفا والرابع أن كل راسخ لا يبتدع أبدا وانما يقع الابتداع ممن لم يتمكن من العلم الذي ابتدع فيه حسبما دل عليه الحديث ويأتي تقريره بحول الله فإنما يؤتى الناس من قبل جهالهم الذين يحسبون أنهم علماء وإذا كان كذلك فاجتهاد من اجتهد منهى عنه إذ لم يستكمل شروط الاجتهاد فهو على أصل العمومية ولما كان العامي حراما عليه النظر في الأدلة والاستنباط كان المخضرم الذي بقي عليه كثير من الجهلات مثله في تحريم الاستنباط والنظر المعمول به فإذا اقدم على محرم عليه كان آثما باطلاق وبهذه الأوجه الأخيرة ظهر وجه تأثيمه وتبين الفرق بينه وبين المجتهد المخطئ في اجتهاده وسيأتي له تقرير ابسط من هذا إن شاء الله وحاصل ما ذكر هنا أن كل مبتدع آثم ولو فرض عاملا بالبدعة المكروهة ان ثبت فيها كراهة التنزيه لأنه اما مستنبط لها فاستنباطه على الترتيب المذكور غير جائز واما نائب عن صاحبها مناضل عنه فيها بما قدر عليه وذلك يجري مجرى المستنبط الأول لها فهو آثم على كل تقدير لكن يبقى هنا نظر في المبتدع وصاحب الهوى بحيث يتنزل دليل الشرع على مدلول اللفظ في العرف الذي وقع التخاطب به إذ يقع الغلط أو التساهل فيسمى من ليس بمبتدع مبتدعا وبالعكس ان تصور فلا بد من فضل اعتناء بهذا المطلب حتى يتضح بحول الله وبالله التوفيق ولنفرده في فصل فنقول : فصل لا يخلو المنسوب إلى البدعة أن يكون مجتهدا فيها أو مقلدا والمقلد اما مقلد مع الإقرار بالدليل الذي زعمه المجتهد دليلا والأخذ فيه بالنظر واما مقلد له فيه من غير نظر كالعامي الصرف فهذه ثلاثة اقسام : فالقسم الأول على ضربين أحدهما ان يصح كونه مجتهدا فالابتداع منه لا يقع