عليك ( أيها العبد ) ورحمة الله وبركاته ، قد جئناك بكتابك ، فخذه الآن واقرأ وانظر ما فيه ، فقلت لهما : من أنتما يرحمكما الله وأي كتاب لي أنظره وأقرأ [1] ؟ فقالا : نحن الملكان اللذان كنا معك في دار الدنيا ( على كتفيك ) ، نكتب ما لك وما عليك ، فهذا كتاب عملك . فنظرت في كتاب الحسنات وهو بيد الرقيب ، فسرني ما فيه وما رأيت من الخير ، فضحكت عند ذلك وفرحت فرحا شديدا ، ونظرت إلى كتاب السيئات وهو بيد العتيد فسائني ما رأيت وأبكاني ، فقال لي : أبشر فلك الخير ، ثم دنى مني الشخص الأول ، فجذب الروح ، فليس من جذبة يجذبها إلا وهي تقوم مقام كل شدة من السماء إلى الأرض ، فلم يزل كذلك حتى صارت الروح في صدري ، ثم أشار إلي بحربة [2] لو أنها وضعت على الجبال لذابت ، فقبض روحي من عرنين أنفي [3] ، فعلا من أهلي عند ذلك الصراخ وليس من شئ يقال أو يفعل إلا وأنا به عالم ، فلما اشتد صراخ القوم وبكاؤهم جزعا علي ، التفت إليهم ملك الموت بغيظ وحنق [4] وقال : معاشر القوم ! مم بكاؤكم ، فوالله ما ظلمناه فتشكون [5] ولا اعتدينا عليه فتصيحون وتبكون ( 5 ) ، ولكن نحن وأنتم عبيد رب واحد ولو أمرتم فينا كما أمرنا فيكم لامتثلتم فينا كما امتثلنا فيكم ، والله ما أخذناه حتى فنى رزقه وانقطعت مدته وصار إلى رب كريم يحكم فيه ما يشاء وهو على كل شئ قدير ، فإن صبرتم أو جرتم ( 6 ) ، وإن جزعتم أثمتم ، كم لي من رجعة إليكم أخذ البنين والبنات والآباء والأمهات .
[1] في المصدر : فخذه الآن وانظر ما فيه ، فقلت لهما : أي كتاب لي أقرأه . [2] في الأصل والمصدر : بجذبة ، ما أثبتناه من البحار . [3] العرنين من كل شئ : أوله ، ومنه ( عرنين الانف ) لأوله ، وهو ما تحت مجتمع الحاجبين ، وهو موضع الشم ( مجمع البحرين ) . [4] الحنق - بالتحريك - الغيظ ، وفي المصدر ( بغيظ وقنوط ) . [5] في المصدر : فتشكوا ، فتضجوا وتبكوا . ( 6 ) في المصدر : اجرتم .