نام کتاب : محاضرات في الإلهيات نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 288
العصمة والاختيار ربما يتوهم أن العصمة تسلب من المعصوم الحرية والاختيار وتقهره على ترك المعصية ، لتكون النتيجة انتفاء كل مكرمة ومحمدة تنسب إليه لاجتنابه المعاصي والمآثم . ويدفعه أن المعصوم قادر على اقتراف المعاصي بمقتضى ما أعطى من القدرة والحرية ، غير أن تقواه العالية ، وعلمه بآثار المعاصي ، واستشعاره عظمة الخالق ، يصده عن ذلك ، فهو كالوالد العطوف الذي لا يقدم على ذبح ولده ولو أعطي ملء الأرض ذهبا ، وإن كان مع ذلك قادرا على قطع وتينه كما يقطع وتين عدوه . يقول العلامة الطباطبائي : " إن ملكة العصمة لا تغير الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعاله الإرادية ولا تخرجها إلى ساحة الإجبار والاضطرار ، كيف والعلم من مبادئ الاختيار ، كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما سما قاتلا من حينه ، فإنه يمتنع باختياره من شربه " . ( 1 ) وهذا نظير صدور القبيح من الله سبحانه ، فإنه ممكن بالذات ويقع تحت إطار قدرته ، فبإمكانه تعالى إخلاد المطيع في نار جهنم ، لكنه لا يصدر منه لكونه مخالفا للحكمة ، ومباينا لما وعد به . وعلى ضوء ذلك فوصف العصمة موهبة تفاض على من يعلم من حاله أنه باختياره ينتفع منها في ترك القبائح ، فيعد مفخرة قابلة للتحسين والتكريم ، وقد شبه الشيخ المفيد العصمة بالحبل الذي يعطى للغريق ليتشبث به فيسلم ، فالغريق مختار في التقاط الحبل والنجاة ، أو عدمه والغرق .
1 . الميزان : 11 / 163 .
288
نام کتاب : محاضرات في الإلهيات نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 288