مضافا إلى أن العباس قد بايع عليا ( عليه السلام ) في الغدير وبقي على بيعته تلك ، ولم يبايع غير أمير المؤمنين ، بل في قضايا السقيفة جاء إلى علي ، وطلب منه تجديد البيعة ، فيسقط العباس عن الاستحقاق للإمامة والخلافة بعد رسول الله ، ولو تتذكرون ، ذكرت لكم في الليلة الأولى أن هناك قولا بإمامة العباس ، لكنه قول لا يستحق الذكر والبحث عنه عديم الجدوى . ومن منازل هارون : أعلميته بعد موسى من جميع بني إسرائيل ومن كل تلك الأمة ، وقد ثبتت المنزلة هذه بمقتضى تنزيل علي منه بمنزلة هارون من موسى لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وإلى الأعلمية هذه يشير علي ( عليه السلام ) في الأوصاف التي ذكرها لنفسه في هذه الخطبة وفي غير هذه الخطبة . في هذه الخطبة يقول : " كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به " . ويقول ( عليه السلام ) في خطبة أخرى بعد أن يذكر العلم بالغيب يقول : " فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله ، وما سوى ذلك [ أي ما سوى ما اختص به سبحانه وتعالى لنفسه ] فعلم علمه الله نبيه ، فعلمنيه ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم عليه جوانحي " . وأيضا : تظهر أعلميته ( عليه السلام ) من قوله في نفس هذه الخطبة عن رسول الله حيث خاطبه بقوله : " إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى " . وأيضا : رسول الله يقول في علي : " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها " . هذا الحديث هو الآخر من الأحاديث الدالة على إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وكان ينبغي أن نخصص ليلة للبحث عن هذا الحديث الشريف ، لنتعرض هناك عن أسانيده ودلالاته ، ولنتعرض أيضا لمحاولات القوم في رده وإبطاله ، وما ارتكبوه من الكذب والدس والتزوير والتحريف .