يغلبه الميل إلى ضدّه ، أو يغلب هو الميل إلى ضدّه اختيارا أو قهرا على وجه يبلغ حدّ العشق ، و يسهل عنده تحمّل الآلام التي لا تطاق ، بل لا يحسن بها حين اشتغال نار العشق كما كانوا يترصّدون إخراج السهام التي لا يطاق إخراجها من بدن علي عليه السّلام أحوال صلاته ، و ذلك الحبّ في أوّل مراتبه المذكورة ضعيف ، و في الثاني منها أضعف ، و في الثالث قوي ، و في الرابع أقوى . و إذ قد عرفت اختلاف حبّ الدنيا باعتبار كلّ من جهاته و موارده و مراتبه ، فاعلم : أنّ الَّذي هو محلّ النزاع من جهاته ، فانّما هو في حبّه من جهة نفسه لا من جهته مقدّميّته و موصليّته إلى شيء ، لأنّ حكمه من جهة المقدّميّة انّما هو حكم ذي المقدّمة المترتّب عليه ، إن واجبا فواجب ، و إن مندوبا فمندوب ، و إن حراما فحرام ، و إن مكروها فمكروه ، فالدنيا التي هي مقدّمة الطاعة من حيث انّه مقدّمة للطاعة عين الآخرة و خارج عن منصرف نصوص ذمّ الدنيا ، بل يصحّ سلبه عنه عرفا ، بل ورد النصّ بحبّه شرعا . و أمّا محلّ النزاع من موارده فانّما هو في الحبّ المتعلَّق بمباحات الشارع لا المتعلَّق بمحبوباته ، فإنّه محبوب ، و لا المتعلَّق بمبغوضاته فإنّه مبغوض عقلا و نقلا ، كقوله تعالى * ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) * [1] . و قوله عليه السّلام : « من أحبّ عمل قوم شاركهم » [2] . و أمّا محلّ النزاع من مراتبه فهو الحبّ القوي بالدنيا الغالب على حبّ ضدّه