ونحن نختلف عن الماركسية في كلا الرأيين ، ولا نقر الآلية في الادراك البشري ، فليست الأفكار والادراكات مجرد ردود فعل منعكسة ، عن المحيط الخارجي ، كما تدعي السلوكية ، وليست - أيضا - حصيلة تلك الردود المحددة من قبلها ، والمتطورة بتبعها كما تعتقد الماركسية . ولنوضح المسألة في المثال التالي : يلتقي زيد وعمرو يوم السبت ، فيأخذان بالحديث مدة ، ثم يحاولان الافتراق ، فيقول زيد لعمرو : انتظرني في صباح الجمعة الآتية في بيتك . ويفترقان بعد ذلك . وينصرف كل منهما إلى حياته الاعتيادية ، وتمر الأيام حتى يحين الموعد المحدد للزيارة ، فيستذكر كل من الشخصين موعده ، ويدرك موقفه بصورة مختلفة عن ادراك الآخر ، فيبقى عمرو في بيته ينتظر ، ويخرج زيد من بيته متوجها إلى زيارته . فما هو المنبه الشرطي الخارجي ، الذي أثار فيهما الادراكين المختلفين ، بعد مرور عدة أيام على الميعاد السابق ، وفي هذه الساعة بالذات ؟ وإذا كان الكلام السابق كافيا للتنبيه الآن . فلماذا لا يتذكران الآن جميع أحاديثهما التي تبادلاها ؟ ولماذا لا تقوم تلك الأحاديث بدور التنبيه والاستثارة ؟ ومثال آخر : تخرج من البيت ، وقد وضعت رسالة في حقيبتك ، عازما على وضعها في صندوق البريد ، وأنت تتجه نحو المدرسة ، فتصادف في طريقك صندوقا للبريد ، فتدرك فورا أن الكتاب لابد من وضعه فيه ، فتضعه فيه . ثم قد تمر بعد ذلك على عدة صناديق للبريد ، فلا تسترعي انتباهك مطلقا ، فما هو المنبه المثير لإدراكك عند رؤية أول صندوق للبريد ؟ وقد تقول ان المثير هو رؤية الصندوق نفسه ، باعتبار انك أشرطته بالمنبه الطبيعي ، فهو منبه شرطي . ولكن كيف نفسر غفلتنا عن الصناديق الأخرى ؟ ولماذا زال الاشراط فورا بمجرد قضاء حاجتنا ؟ ففي ضوء الأمثلة ، تعرف ان الفكر نشاط ايجابي فعال للنفس ، وليس رهن ردود الفعل الفيزيولوجية ، كما انه ليس هو الواقع المباشر للعلة ، كما زعمت الماركسية ، بل اللغة أداة لتبادل الأفكار ، وليست هي المكونة لتلك الأفكار ، ولذا قد نفكر في شيء ونفتش طويلا عن اللفظ المناسب له ،