وأما الجزء الثاني من النظرية ، فهو يرتكز على الفكرة القائلة بانتقال الصفات المكتسبة بالوراثة . وقد انهارت هذه الفكرة على ضوء النظريات الجديدة في علم الوراثة ، كما ألمعنا اليه سابقا . وهب ان قانون الوراثة يشمل العادات المكتسبة ، فكيف تكون الأعمال الغريزية عادات موروثة ، مع أن بعض الاعمال الغريزية ، قد لا يؤديها الحيوان الا مرة أو مرات معدودة في حياته ؟ النظرية الثانية : تبدأ من حيث بدأت النظرية الأولى ، فتفترض ان الحيوان اهتدى إلى العمل الغريزي ، عن طريق المحاولات المتكررة ، وانتقل إلى الأجيال المتعاقبة ، لا عن طريق الوراثة ، بل بلون من ألوان التفهيم والتعليم ، الميسورة للحيوانات . وتشترك هذه النظرية مع النظرية السابقة ، في الاعتراض الذي وجهناه إلى الجزء الأول منها . وتختص بالاعتراض على ما زعمته ، من تناقل العمل الغريزي عن طريق التعليم والتفهيم . فان هذا الزعم لا ينسجم مع الواقع المحسوس ، حتى لو اعترفنا للحيوان بالقدرة على التفاهم ، لان عدة من الغرائز تظهر في الحيوان منذ أول تكونه ، قبل أن توجد أي فرصة لتعليمه ، بل قد تولد صغار الحيوان بعد موت أمهاتها ، ومع ذلك توجد فيها نفس غرائز نوعها . فهذه ثعابين الماء ، تهاجر من مختلف البرك والأنهار إلى الأعماق السحيقة ، لتضع بيضها ، وقد تقطع في هجرتها آلاف الأميال ، لانتخاب البقعة المناسبة ، ثم تضع البيض وتموت ، وتنشأ الصغار فتعود بعد ذلك إلى الشاطئ الذي جاءت منه أمهاتها ، وكأنها قد أشبعت خريطة العالم تحقيقا وتدقيقا . فعلى يد من تلقت صغار الثعابين دروس الجغرافيا ؟ النظرية الثالثة : أعلنتها المدرسة السلوكية في علم النفس ، إذ حاولت ان تحلل السلوك الحيوي بصورة عامة ، إلى وحدات من الفعل المنعكس . وفسرت الغرائز بأنها تركيبات معقدة من تلك الوحدات ، أي سلسلة من أفعال منعكسة بسيطة ، فلا تعدو الغريزة ان تكون ، كحركة جذب اليد عند وخزها بالدبوس ، وانكماشة العين عند تسليط ضوء شديد عليها ، غير ان