الخشب والصوف والقطن ، هي الأشياء التي يتكون منها السرير والثوب والورق . ونحن كثيرا ما نعين مادة للشيء ، ثم نرجع إلى تلك المادة لنحاول معرفة مادتها ، أي الأصل الذي تتكون منه ، ثم نأخذ هذا الأصل ، فنتكلم عن مادته وأصله أيضا . فالقرية إذا سئلنا مم تتكون ؟ أجبنا بأنها تكون من عدة عمارات ، ودور . فالعمارات والدور هي مادة القرية ، ويتكرر السؤال عن هذه العمارات والدور ، ما هي مادتها ؟ ويجاب عن السؤال بأنها تتركب من الخشب والآجر والحديد . وهكذا نضع لكل شيء مادة ، ثم نضع للمادة بدورها أصلا تتكون منه ، ويجب أن ننتهي في هذا التسلسل إلى مادة أساسية ، وهي المادة التي لا يمكن أن يوضع لها مادة بدورها . ومن جزاء ذلك انبثق في المجال الفلسفي والعلمي ، السؤال عن المادة الأساسية والأصلية للعالم ، التي ينتهي إليها تحليل الأشياء في أصولها وموادها . وهذا السؤال يعتبر من أهم الأسئلة الرئيسية في التفكير البشري ، العلمي والفلسفي . ويقصد بالمادة العلمية ، أعمق ما تكشفه التجربة من مواد للعالم ، فهي الأصل الأول في التحليلات العلمية . ويقصد بالمادة الفلسفية ، أعمق مادة للعالم ، سواء أكان من الممكن ظهورها في المجال التجريبي أم لا . وقد مر بنا التحدث عن المادة العلمية ، وعرفنا أن أعمق مادة توصل إليها العلم هي الذرة ، بأجزائها من النوى والكهارب ، التي هي تكاثف خاص للطاقة . ففي العرف العلمي ، مادة الكرسي هي الخشب ، ومادة الخشب هي العناصر البسيطة التي يأتلف منها ، وهي : الأوكسجين ، والكربون ، والهيدروجين . ومادة هذه العناصر هي الذرات ، ومادة الذرة هي أجزاؤها الخاصة من البروتونات والالكترونات وغيرهما . وهذه المجموعة الذرية . أو الشحنات الكهربائية المتكاثفة ، هي المادة العلمية العميقة ، التي أثبتها العلم بالوسائل التجريبية . وهنا يجيء دور المادة الفلسفية ، لنعرف ما إذا كانت الذرة في الحقيقة هي أعمق وابسط مادة للعالم ، أو انها بدورها مركبة أيضا ، من مادة وصورة ؟ فالكرسي كما عرفنا مركب من مادة وهي الخشب ، وصورة هي هيئته الخاصة .