ونحن إذا تعمقنا في درس هذه المعارضة ، وجدنا أنها تؤدي في الحقيقة إلى الغاء مبدأ العلية رأسا ، لان حقيقة الحركة - كما سبق في الدراسات السابقة - عبارة عن التغير والتبدل ، فهي حدوث مستمر ، أي حدوث متصل بحدوث ، وكل مرحلة من مراحلها حدوث جديد ، وتغير عقيب تغير . فإذا أمكن للحركة ان تستمر دون علة ، كان في الامكان ان تحدث الحركة دون علة ، وأن توجد الأشياء ابتداء بلا سبب ، لأن استمرار الحركة يحتوي على حدوث جديد دائما ، فتحرره من العلة يعني تحرر الحدوث من العلة أيضا . ولأجل ان يتضح عدم وجود مبرر لهذه المعارضة ، من ناحية علمية ، يجب ان نحدث القارئ عن قانون القصور الذاتي ، في الميكانيك الحديث ، الذي ارتكزت عليه المعارضة . ان التفكير السائد عن الحركة قبل ( غاليليو ) ، هو انها تتبع القوة المحركة ، في مدى استمرارها وبقائها . فهي تستمر ما دامت القوة المحركة موجودة ، فإذا زالت سكن الجسم , ولكن الميكانيك الحديث ، وضع قانونا جديدا للحركة ، وفحوى هذا القانون ، أن الأجسام الساكنة والمتحركة ، تبقى كذلك ( ساكنة أو متحركة ) ، إلى ان تتعرض لتأثير قوة أخرى كبرى بالنسبة لها ، تضطرها إلى تبديل حالتها . والسند العلمي لهذا القانون ، هو التجربة ، التي توضح أن جهازا ميكانيكيا متحركا بقوة خاصة في شارع مستقيم ، إذا انفصلت عنه القوة المحركة ، فهو يتحرك بمقدار ما بعد ذلك ، قبل أن يسكن نهائيا . ومن الممكن في هذه الحركة ، التي حصلت بعد انفصال الجهاز عن القوة الخارجية المحركة ، ان يزاد في أمدها ، بتدهين آلات الجهاز ، وتسوية الطريق ، وتخفيف الضغط الخارجي . غير أن هذه الأمور لا شأن لها ، الا تخفيف الموانع عن الحركة من الاصطكاك ونحوه ، فإذا استطعنا ان نضاعف من هذه المخففات ، نضمن مضاعفة الحركة ، وإذا افترضنا ارتفاع جميع الموانع ، وزوال الضغط الخارجي نهائيا ، كان معنى ذلك استمرار الحركة إلى غير حد بسرعة معينة ، فيعرف من ذلك ان الحركة إذا أثيرت في جسم ، ولم تعترضها قوة خارجية مصادمة ، تبقى