صراعا حادا ، لا في مسألة التغير بصورة عامة ، بل في كنهه وتفسيره الفلسفي الدقيق . ويدور الصراع حول الجواب عن الأسئلة التالية : هل التغير الذي يطرأ على الجسم حين يطوي مسافة ما ، عبارة عن وقفات متعددة في أماكن متعددة ، تعاقبت بسرعة ، فتكونت في الذهن فكرة الحركة ؟ أو أن مرد هذا التغير إلى سير واحد متدرج ، لا وقوف فيه ولا سكون ؟ وهل التغير الذي يطرأ على الماء حين تتضاعف حرارته وتشتد ، يعني مجموعة من الحرارات المتعاقبة ، يتلو بعضها بعضا ؟ أو أنه يعبر عن حرارة واحدة تتكامل وتتحرك وتترقى درجتها ؟ وهكذا نواجه هذا السؤال في كل لون من ألوان التغير ، التي تحتاج إلى شرح فلسفي بأحد الوجهين الذين يقدمهما السؤال . والتاريخ الإغريقي يحدث عن بعض المدارس الفلسفية ، انها أنكرت الحركة ، وأخذت بالتفسير الآخر للتغير ، الذي يرد التغير إلى تعاقب أمور ساكنة ، ومن رجالات تلك المدرسة ( زينون ) ، الذي أكد على ان حركة المسافر من أقصى الأرض إلى أقصاها ، ليست الا سلسلة من سكنات متعاقبة . فهو لا يتصور التدرج في الوجود والتكامل فيه ، بل يرى كل ظاهرة ثابتة ، وان التغير يحصل بتعاقب الأمور الثابتة ، لا بتطور الامر الواحد وتدرجه . وعلى هذا تكون حركة الانسان في مسافة ما ، عبارة عن وقوفه في النقطة الأولى من تلك المسافة . فوقوفه في النقطة الثانية ، ففي الثالثة . وهكذا . . . فإذا رأينا شخصين أحدهما واقف في نقطة معينة والآخر يمشي نحو اتجاه خاص ، فكلاهما في رأي ( زينون ) واقف ساكن ، غير ان الأول ساكن في نقطة معينة على طول الخط ، وأما الآخر فله سكنات متعددة ، لتعدد النقاط التي يطويها ، وله في لحظة مكانية خاصة . وهو في كل تلك اللحظات لا يختلف مطلقا عن الشخص الأول الواقف في نقطة معينة . فهما معا ساكنان ، وان كان سكون الأول مستمرا وسكون الثاني يتبدل بسرعة إلى سكون آخر ، في نقطة أخرى من المسافة . فالاختلاف بينهما هو الاختلاف بين سكون قصير الأمد وسكون طويل الأمد . هذا ما كان يحاوله ( زينون ) وبعض فلاسفة الإغريق . وقد برهن على وجه