ليست علوما بل هي روابط ، ولأجل ان تكون علما تحتاج إلى موضوع ينشئه الذهن أو يدركه بالتجربة ، والموضوعات الميتافيزيقية ليست من منشآت الذهن ولا من مدركات التجربة ، كما يترتب عليه أيضا ان الحقيقة في العلوم الطبيعية نسبية دائما ، لان تلك الروابط داخلة في صميم معارفنا عن الظواهر الخارجية ، وهي روابط ذاتية . فيختلف الشيء في ذاته عن الشيء لذاتنا . وتنطوي نظرية ( كانت ) هذه على خطأين أساسين : الأول : انها تعتبر العلوم الرياضية منشئة للحقائق الرياضية ومبادئها ، وبهذا الاعتبار ارتفع ( كانت ) بمبادئ الرياضة وحقائقها عن امكان الخطأ والتناقض ، ما دامت مخلوقة للنفس ومستنبطة منها وليست مستوردة من الخارج ليشك في خطأها أو تناقضها . ولكن الحقيقة التي يجب ان تقوم عليها كل فلسفة واقعية هي ان العلم ليس خلاقا ومنشئا ، وانما هو كاشف عما هو خارج حدوده الذهنية الخاصة ، ولولا هذا الكشف الذاتي لما أمكن الرد على المفهوم المثالي مطلقا ، كما سبق . فعلمنا بأن 2 + 2 = 4 هو علم بحقيقة رياضية معينة ، وليس معنى علمنا بها اننا ننشؤها ونخلقها في داخل نفوسنا - كما تحاول المثالية ان تفسر العلم بذلك - بل العلم في طبيعته كالمرآة ، فكما ان المرآة تدلل على وجود واقع للصورة المنعكسة فيها خارج حدودها ، كذلك العلم يكشف عن حقيقة مستقلة ، ولأجل ذلك كان 2 + 2 = 4 ، سواء أكان يوجد مفكر رياضي على وجه الأرض أم لا ، وسواء أدرك هذه الحقيقة انسان أم لا . ومعنى ذلك أن المبادئ والحقائق الرياضية لها واقع موضوعي ، فهي قوانين تعمل وتجري ، وليست العلوم الرياضية الا انعكاسات لها في الذهن البشري . وعلى هذا تكون كالمبادئ والقوانين الطبيعية تماما من حيث كونها واقعا مستقلا ينعكس في العقل ، فنواجه السؤال عن انعاكسها الذهني ومدى صحته ودقته ، كما نواجه ذلك السؤال في سائر العلوم . وليس لهذا السؤال الا جواب واحد وهو الجواب الذي يقدمه المذهب العقلي القائل بأن تلك الانعكاسات للمبادئ الرياضية في الذهن البشري لما كانت فطرية وضرورية فهي مضمونة الصحة