الميتافيزيقية شيء من الاحكام التركيبية الأولية والاحكام التركيبية الثانوية . اما الاحكام التركيبية الأولية فهي لما كانت احكاما مستقلة عن التجربة ، فلا تصح الا على موضوعات مخلوقة للنفس بصورة فطرية وجاهزة في الذهن بلا تجربة ، كموضوعي العلوم الرياضية من الزمان والمكان ، وليست الأشياء التي تتناولها الميتافيزيقا - وهي الله والنفس والعالم - كذلك ، فان الميتافيزيقا لا تعالج أمورا ذهنية ، وانما تحاول البحث عن أشياء موضوعية قائمة في نفسها . وأما الاحكام التركيبية الثانوية فهي الاحكام التي تعالج موضوعات تجريبية ، كموضوعات العلوم الطبيعية التي تدخل في الميدان التجريبي . ولذلك صارت ثانوية باعتبار احتياجها إلى التجربة ، ومن الواضح ان مواضيع الميتافيزيقا ليست تجريبية فلا يمكن ان يتكون فيها حكم تركيبي ثانوي ، ولا يبقى للميتافيزيقا بعد ذلك متسع الا للاحكام التحليلية ، أي الشروح والتفاسير للمفاهيم الميتافيزيقية ، وهذه الاحكام ليست من المعرفة الحقيقية بشيء ، كما عرفنا سابقا . والنتيجة التي يخلص إليها ( كانت ) من ذلك : أولا : ان احكام العلوم الرياضية تركيبية أولية وهي ذات قيمة مطلقة . ثانيا : ان الاحكام التي تقوم على أساس التجربة في العلوم الطبيعية أحكام تركيبية ثانوية ، والحقيقة فيها لا يمكن ان تكون أكثر من حقيقة نسبية . ثالثا : ان موضوعات الميتافيزيقا لا يمكن ان توجد فيها معرفة عقلية صحيحة ، لا على أساس الاحكام التركيبية الأولية ولا على أساس الأحكام التركيبية الثانوية . والنقطة الرئيسية في نظرية ( كانت ) هي ان الادراكات العقلية الأولية ليست علوما قائمة بنفسها ذات وجود مستقل عن التجربة ، بل هي روابط تساعد على تنظيم الأشياء ووصلها بعضها ببعض . فدورها الوحيد هو انها تجعلنا ندرك الأشياء التجريبية في إطاراتها الخاصة . ويترتب على ذلك طبيعيا الغاء الميتافيزيقا ، لأن تلك الادراكات الأولية