الواقع بصورة مستقلة عنهم ، فوجود هذا الدوران بصورة موضوعية كان مرئيا لهم أي انهم كانوا يصدقون بذلك وان لم يكن ثابتا في الواقع [1] . فالانسان بطبيعته اذن يخرج من التصورية إلى الموضوعية بالعلم التصديقي لمكان كشفه الذاتي ، سواء أكان العلم مصيبا في الواقع أم مخطئا ، فإنه علم وكشف على كل تقدير . الدليل الرابع : ان المعارف التصديقية إذا كانت قد تخطئ ولم يكن كشفها الذاتي يصونها عن ذلك فلماذا لا يجوز أن تكون جميع معارفنا التصديقية خطأ ؟ وكيف يمكننا أن نعتمد على الكشف الذاتي للعلم ما دام هذا الكشف صفة لازمة للعلم في موارد الخطأ والصواب على حد سواء . وهذه المحاولة تختلف في هدفها عن المحاولة السابقة ، ففي تلك المحاولة كانت تستهدف المثالية إلى اعتبار المعارف البشرية أشياء ذاتية لا تشق لنا الطريق إلى الواقع الموضوعي ، وقد أحبطنا تلك المحاولة بايضاح ما للمعارف التصديقية من كشف ذاتي تمتاز به على التصور الخالص . وأما هذه المحاولة فهي تقصد إزالة المعارف التصديقية نهائيا من التفكير البشري ، لأنها ما دامت قد تخطئ ، أو ما دام كشفها الذاتي لا يعني صحتها دائما ، فلماذا لا نشك فيها ونتخلى عنها جميعا ؟ ولا يوجد لدينا بعد ذلك ما يضمن وجود العالم الموضوعي . وبطبيعة الحال ، ان التفكير البشري لو لم يكن يملك عدة معارف مضمونة الصحة بصورة ضرورية ، لكان هذا الشك لازما ولا مهرب عنه ، ولما أمكننا أن نعلم بحقيقة مهما كانت ما دام هذا العلم لا يستند إلى ضمان ضروري ،
[1] وبالتعبير الفلسفي المصطلح ان التضايف القائم بين الكاشف وهو العلم ، والمنكشف بالعرض وهو الشيء الخارج عن حدود العلم ، ليس ثابتا بين وجود الكاشف ووجود المنكشف بالعرض ، ليمتنع انفكاك أحدهما عن الآخر ، وانما هو بين الكاشفية الذاتية للعلم والمنكشفية بالعرض للشيء الخارج عن حدود العلم ، ومن الواضح ان الامرين متلازمتان ولا يمكن انفكاكهما مطلقا .