ويبقى علينا بعد هذا ان نوضح سر المغالطة في هذا الدليل ، لنفهم السبب في عدم حصول القناعة الواقعية به حتى ل ( باركلي ) نفسه . وفي هذا الصدد يلزمنا ان نستذكر ما عرفناه في الجزء الأول من المسألة - المصدر الأساسي للمعرفة - من انقسام الادراك البشري إلى قسمين رئيسيين وهما التصديق والتصور . وأن نعرف للتصديق ميزته الأساسية على التصور . هذه الميزة التي تجعل من المعرفة التصديقية همزة الوصل بيننا وبين العالم الخارجي . وايضاح ذلك ، أن التصور عبارة عن وجود صورة لمعنى من المعاني في مداركنا الخاصة ، فقد توجد الصورة في حواسنا فيكون وجودها كذلك مكونا للاحساس بها . وقد توجد الصورة في مخيلتنا فيحصل بذلك التخيل ، وقد توجد الصورة بمعناها التجريدي العام في الذهن ويسمى وجودها هذا تعقلا . فالاحساس والتخيل والتعقل ألوان من التصور وأنحاء لوجود صور الأشياء في المدارك البشرية . فنحن نتصور التفاحة على الشجرة بالاحساس بها عن طريق الرؤية ، ومعنى إحساسنا بها وجود صورتها في حواسنا ، ونحتفظ بعد ذلك بهذه الصورة بعد انصرافنا عن الشجرة في ذهننا وهذا الوجود هو التخيل . ويمكننا بعد ذلك أن نسقط من الصورة الخصائص التي تمتاز بها عن التفاحات الأخرى ونستبقي المعنى العام منها - أي معنى التفاحة بصفة كلية ، وهذه الصورة الكلية في التعقل ، فهذه مراحل ثلاثة من التصور يجتازها الادراك البشري وهو لا يعبر في كل مرحلة الا عن وجود صورة في بعض مداركنا ، فالتصور لصفة عامة لا يعدو ان يكون وجودا لصورة شيء ما في مداركنا ، سواء كان تصورا واضحا جليا كالاحساس أم باهتا وضئيلا كالتخيل والتعقل ، وهو لذلك لا يمكن أن يشق لنا الطريق إلى ما وراء هذه الصورة التي نتصورها في مداركنا ، ولا يكفي للانتقال من المجال الذاتي إلى المجال الموضوعي ، لأن وجود صورة للمعنى في مداركنا شيء ، ووجود ذلك المعنى بصورة موضوعية ومستقلة عنا في الخارج شيء آخر ، ولذا قد يجعلنا الاحساس نتصور أمورا عديدة لا نؤمن بأن لها واقعا موضوعيا مستقلا ، فنحن نتصور العصا المغموسة في الماء وهي مكسورة ، ولكننا نعلم أن العصا لم تنكسر في