احساسات ما ، الا أن احساساتنا ليست سوى أفكار تحتويها أرواحنا ، واذن فالأشياء التي تدركها حواسنا ليست سوى أفكار ، والأفكار لا يمكن ان توجد خارج روحنا . وباركلي في هذا الدليل يحاول أن يجعل مسألة الايمان بالواقع الموضوعي للأشياء متوقفة على الاتصال بذلك الواقع بصورة مباشرة ، وما دام لا يتاح لنا في حال من الأحوال أن نتصل اتصالا مباشرا بالأشياء خارج روحنا ، وما دمنا مضطرين إلى ادراكها في تصوراتنا وأفكارنا خاصة . فلا وجود في الحقيقة الا لهذه التصورات والأفكار . ولو أطحنا بها لم يبق شيء نستطيع ان ندركه ، أو أن نعترف بوجوده . ويجب أن نلاحظ قبل كل شيء أن هذه الحجة التي حاول باركلي ان يبرهن بها على مفهومه المثالي ليست صحيحة ، حتى عند باركلي نفسه ، فإنه يتفق معنا - بصورة غير شعورية - على دحضها وعدم كفايتها لتبرير المفهوم المثالي ، ذلك انها تؤدي إلى مثالية ذاتية تنكر وجود الاشخاص الآخرين كما تنكر وجود الطبيعة على السواء . فان الحقيقة إذا كانت مقتصرة على نفس الادراك والشعور باعتبار أننا لا نتصل بشيء وراء حدود الذهن ومحتوياته الشعورية ، فهذا الادراك والشعور هو ادراكي وشعوري أنا ، وأنا لا اتصل بادراك الآخرين وشعورهم كما لا اتصل بالطبيعية ذاتها ، وهذا يفرض على عزلة عن كل شيء عدا وجودي وذهني فليس لي الحق بالتسليم بوجود الناس الآخرين لأنهم ليسوا الا تصورات ذهني وفكري الذاتي . وهكذا تنتهي المسألة إلى مثالية فردانية فظيعة ، فهل كان يمكن ل ( باركلي ) ان يندفع مع حجته إلى أقصى مداها ويخرج منها بمثالية كهذه ؟ وإذا كان قد حاول شيئا من هذا فسوف يتناقض مع نفسه قبل غيره ، والا فمع من كان يتحدث ؟ ولمن كان يكتب ويؤلف ؟ ولحساب من كان يلقي محاضراته ودروسه ؟ أليس ذلك تأكيدا قاطعا من باركلي على الواقع الموضوعي للأشخاص الآخرين ؟ وهكذا يتضح ان باركلي نفسه يشاركنا في عدم قبول الحجة التي تبناها والتصديق - ولو لا شعوريا - ببطلانها .