قاعدة منهجيّة قبل الخوض في بيان حقيقة الكتاب المبين الذي يعدّ المرتبة العالية من القرآن الذي بأيدينا ، لا بدّ من الإشارة إلى قاعدة منهجيّة في المقام ، حاصلها : إنّ المفاهيم التي استعملها القرآن الكريم ، كالكتاب والعرش والكرسي واللّوح والقلم وغيرها ، يمكن أن تكون مختلفة المصاديق من حيث التجرّد والمادّية ، بمعنى أنّ المفهوم وإن كان واحداً إلاّ أنّ المصاديق يمكن أن تتنوّع لتشمل - بالإضافة إلى المصداق المتداول في حياتنا الحسّية - مصاديق أخرى فوق العالم المشهود ، بنحو يكون الاستعمال فيها جميعاً حقيقيّاً . قال صدر الدِّين الشيرازي : « اعلم أنّ أكثر الألفاظ الواردة في الكتاب الإلهي ، كسائر الألفاظ الموضوعة للحقائق الكلّية ، يُطلق تارةً ويُراد به الظاهر المحسوس ، ويطلق تارةً ويُراد به سرّه وحقيقته وباطنه ، وتارةً يُطلق ويُراد به سرّ سرّه وحقيقة حقيقته وباطن باطنه ، وذلك لأنّ أصول العوالم والنشآت ثلاثة : الدُّنيا ، والآخرة ، وعالم الإلهيّة ، وكلّها متطابقة ، وكلّ ما يوجد في أحد من هذه العوالم يوجد في الأخيرين على وجه يناسب كلّ موجود لما في عالمه الخاصّ به » [1] . وقال الفيض الكاشاني في المقدّمة الرابعة من مقدّمات تفسيره : « إنّ لكلّ معنىً من المعاني حقيقة وروحاً ، وله صورة وقالب ، وقد تتعدّد الصور والقوالب لحقيقة واحدة ، وإنّما وضعت الألفاظ للحقائق والأرواح ، ولوجودهما في القوالب تستعمل الألفاظ فيهما على الحقيقة لاتّحاد ما بينهما . مثلاً : لفظ القلم إنّما وضع لآلة نقش الصور في الألواح من دون اعتبار
[1] تفسير القرآن الكريم ، صدر المتألّهين الشيرازي ، حقّقه وضبطه وعلّق عليه الشيخ محمّد جعفر شمس الدِّين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت 1998 : ج 8 ص 68 .