إذا اتّضح ذلك ، يتبيّن أنّ نزول القرآن الكريم ليس هو على نحو التجافي - كما لا يخفى - وإنّما هو على نحو التجلّي ، وفقاً للقاعدة التي تحدّثت عنها الآية المباركة : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) ( الحجر : 21 ) . أسماء المرتبة العالية من القرآن بعد أن اتّضح في البحث السابق أنّ القرآن الذي بأيدينا إنّما تنزّل من تلك المرتبة العينيّة التي هي الأصل ، لا بدّ من الوقوف على الأسماء التي سُمّيت بها تلك المرتبة العالية : فتارةً سُمّيت تلك المرتبة بأُمّ الكتاب : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) ( الزخرف : 4 ) . وأخرى الكتاب المكنون : ( إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) ( الواقعة : 77 - 78 ) . وثالثة باللّوح المحفوظ : ( بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) ( البروج : 21 - 22 ) . ورابعة الكتاب المبين : ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ( الزخرف : 1 - 3 ) ، فإنّه ظاهر في أنّ هناك كتاباً مبيناً عَرَض عليه جعله مقروءاً عربيّاً ، وإنّما أُلبس لباس القراءة والعربيّة ليعقله الناس ، وإلاّ فإنّه - وهو في أُمّ الكتاب ، والكتاب المكنون ، واللّوح المحفوظ - عند الله ، عليٌّ لا يصعد إليه العقول ، حكيمٌ لا يوجد فيه فصل فصل . وفي الآية تعريف للكتاب المبين وأنّه أصل القرآن العربي المبين .