فهل معنى ذلك أنّ القرآن كان في مكان عالٍ وأنّ الله تعالى أنزله نزولاً مكانيّاً ، كما لو كان عندنا شيء ذو قيمة في مكان عالٍ ثمّ ننزّله إلى مكان آخر ؟ الواقع لكي نفهم هذه الحقيقة القرآنيّة لا بدّ من التمييز بين نحوين من النزول والتنزّل ، استعملهما القرآن ، وكثيراً ما يقع الخلط بينهما ، ويفضي إلى التباسات كبيرة ، هما : < فهرس الموضوعات > الأوّل : النزول على نحو التجافي < / فهرس الموضوعات > الأوّل : النزول على نحو التجافي هذا النحو من التنزّل لا يمكن تصوّره إلاّ في عالم المادّة ، ومن أهمّ خصائصه هو أنّ الشيء إذا كان في أعلى فهو غير موجود في الأسفل ، وبالعكس ، وقد استخدم القرآن الكريم هذا اللّون من النزول في قوله تعالى : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ) ( السجدة : 16 ) ، أي ترتفع جنوبهم عن الفراش ، بنحو عندما ينهض هؤلاء لا تبقى جنوبهم في المضجع بل تتجافى عنه وتتباعد . < فهرس الموضوعات > الثاني : النزول على نحو التجلّي < / فهرس الموضوعات > الثاني : النزول على نحو التجلّي هذا النحو من التنزّل يتميّز بخصوصيّة ، هي أنّ الشيء المتنزّل لا يفقد وجوده في مرتبته السابقة بعد التنزّل ، على العكس من النزول بالنحو الأوّل ، فإنّ الشيء إذا نزل من أعلى لم يبق له وجود في المرتبة التي نزل منها . يمكن تقريب ذلك بمثال من النشاط العلمي للإنسان ، فإذا ما كانت عند الإنسان فكرة في ذهنه ، ثمّ عمد إلى كتابتها على الورق ، فإنّ هذه الفكرة تنزّلت من مرتبة وجودها في عقل الإنسان وصارت مكتوبة على الورق ، ومن الواضح أنّ الفكرة في الوجود الذهني شيء وهي في الوجود الكتبي شيءٌ