ولعلّ في قوله تعالى : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) ( هود : 1 ) ، ما يشير إلى هذا المضمون أيضاً ، فالإحكام كونه عند الله بحيث لا ثلمة فيه ولا فصل ، والتفصيل هو جعله فصلاً فصلاً وآية آية وتنزيله على النبيّ صلّى الله عليه وآله . ويدلّ على هذه المرتبة الدانية من القرآن التي تستند إلى العالية قوله تعالى : ( وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ) ( الإسراء : 106 ) . قال الطبرسي في مجمع البيان : « معنى فرقناه فصّلناه ونزّلناه آية آية وسورة سورة ، ويدلّ عليه قوله : ( على مكث ) » [1] . كيفيّة تنزّل القرآن صرّحت الآيات الكريمة أنّ للقرآن نحو نزول إلى عالمنا هذا ؛ قال تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( ( يوسف : 2 ) ، وقال : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ ) ( البقرة : 185 ) ، وقال : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ( القدر : 1 ) ، وقال : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ . . . ) ( الشعراء : 193 - 194 ) . والنزول - كما ذكر في اللّغة - يستدعي علوّاً وسفلاً ، قال الراغب في المفردات : « النزول في الأصل ، هو انحطاط من علوٍّ ، يقال نزل عن دابّته ونزل في مكان كذا : حطّ رحله فيه » [2] .
[1] مجمع البيان في تفسير القرآن ، تأليف الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت : المجلّد الرابع ، ج 15 ص 109 . [2] المفردات في غريب القرآن ، تأليف أبي القاسم الحسين بن محمّد المعروف بالراغب الأصفهاني : 502 ه - ، دار المعرفة ، بيروت - لبنان ، تحقيق وضبط : محمّد سيّد كيلاني : ص 488 .