نموذج تطبيقي : القرآن الكريم يعدّ القرآن الكريم أحد أهمّ التطبيقات التي أشار إليها القرآن للأصل المتقدّم ، قال سبحانه : ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) ( الزخرف : 3 - 4 ) ، فإنّه يدلّ على أنّ القرآن النازل كان عند الله أمراً أعلى وأحكم من أن تناله العقول أو يعرضه التقطّع والتفصّل ، لكنّه تعالى عنايةً بعباده جعله كتاباً مقروءاً وألبسه لباس العربيّة لعلّهم يعقلون ما لا سبيل لهم إلى تعقّله ومعرفته ما دام في أُمّ الكتاب . وهذا معناه أنّ القرآن له مراتب وجوديّة متعدّدة ، أدناها هذا الكتاب الذي بأيدينا . في هذا السياق يكتب صدر الدِّين الشيرازي : « وبالجملة : إنّ للقرآن درجات ومنازل كما للإنسان ، وأدنى مراتب القرآن ، وهو ما في الجلد والغلاف كأدنى مراتب الإنسان وهو ما في الإهاب والبشرة » [1] . وقال الطباطبائي في ذيل الآيات المتقدّمة : « هذا الجعل المذكور يشهد بأنّ القرآن له مرحلة من الكينونة والوجود لا ينالها عقول الناس ، ومن شأن العقل أن ينال كلّ أمر فكريّ وإن بلغ من اللطافة والدقّة ما بلغ ، فمفاد الآية أنّ الكتاب بحسب موطنه الذي له في نفسه أمر وراء الفكر ، أجنبيّ عن العقول البشرية ، وإنّما جعله الله قرآناً عربيّاً وألبسه هذا اللِّباس رجاء أن يستأنس به عقول الناس فيعقلوه ، والرجاء في كلامه تعالى قائم بالمقام أو المخاطب دون المتكلِّم كما تقدّم غير مرّة » [2] .
[1] الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة ، لمؤلّفه الحكيم الإلهي صدر الدِّين محمّد الشيرازي ، مجدّد الفلسفة الإسلاميّة ، المتوفّى سنة 1050 ه - ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، الطبعة الثالثة : 1981 : ج 7 ص 39 . [2] الميزان في تفسير القرآن ، مؤسّسة الأعلمي ، الطبعة الثانية : 1973 م : ج 18 ص 73 .