الآية . لذا قال الرازي في ذيل هذه الآية ، وهو يردّ على من فسّر مراد الآية بالمطر : « تخصيص قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ) بالمطر تحكّم ، لأنّ قوله : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ) يتناول جميع الأشياء إلاّ ما خصّه الدليل ، وهو الموجود القديم الواجب لذاته » [1] . الثاني : إنّ هذه الخزائن متعدّدة ؛ لقوله : ( إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ) حيث ذكرت الخزائن بصيغة الجمع ، وأقلّ الجمع اثنان . وهذا يفيد أنّ ما من شيء في عالمنا إلاّ ويعبّر عن مرتبة من الوجود ، له فوقها خزائن ، فيكون للشيء مراتب ثلاث ، هي مرتبة هذا العالم ومرتبتان في تلك الخزائن وفق قاعدة أنّ أقلّ الجمع اثنان . كما يمكن أن تتنزّل إلى مرتبتين هما : مرتبة الوجود الظاهري التي في نشأتنا ، والمرتبة التي عبّر عنها القرآن « خزائن » . هذا على تقدير أن تكون الخزائن جميعاً في مرتبة واحدة ، على هذا الاحتمال يكون لكلّ شيء مرتبتان من الوجود على أقلّ تقدير . أمّا عدد تلك الخزائن التي تحوي هذه الوجودات جميعاً ، فهو أمرٌ ينأى عن تحديده العقل ، ويحتاج القول فيه إلى دليل قطعيّ من القرآن أو الرواية ، يبيّن عدد تلك الخزائن « العوالم » . وأهمّ خصوصيّة في هذه الخزائن أنّه جعل القدر متأخّراً عنها ملازماً للشيء عند نزوله منها : ( وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) فالشيء وهو في الخزائن وإن لم يكن مقدّراً بهذا القدر الذي يلازم نزوله منها ، لكن مع ذلك ذكرت الخزائن بصيغة الجمع ، ومن الواضح أنّ العدد لا يلحق إلاّ الشيء المحدود ، وهذا معناه أنّ هذه الخزائن لو لم تكن محدودة متميّزة بعضها عن
[1] التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب ، مصدر سابق : ج 19 ص 139 .