وعالم المادّة ، لا يخلو ما فيها من الموجودات من تعلّق ما بالمادّة ، وتستوعبه الحركة والتغيّر . وتمتاز هذه العوالم الوجوديّة بخصائص أهمّها : السبق واللُّحوق ، بمعنى أنّ بعضها سابق على البعض الآخر ، وفق ترتيب وجوديّ لا يتغيّر ، فالأوّل عالم العقل ثمّ عالم المثال ثمّ عالم المادّة . الترتيب العلّي بينها ، بمعنى أنّ المتقدّم واسطة الفيض لما تحته . وقد لخّص الطباطبائي هذه الخصائص بما يلي : « أوّلاً : إنّ العوالم الثلاثة مترتّبة وجوداً بالسبق واللُّحوق ، فعالم العقل قبل عالم المثال ، وعالم المثال قبل عالم المادّة وجوداً ؛ وذلك لأنّ الفعليّة المحضة التي لا يشوبها قوّة ولا يخالطها استعداد ، أقوى وأشدّ وجوداً ممّا هو بالقوّة محضاً كالهيولى الأولى ، أو يشوبه القوّة ويخالطه الاستعداد كالطبائع المادّية ، فعالما العقل والمثال يسبقان عالم المادّة . وثانياً : إنّ الترتيب المذكور بين العوالم الثلاثة ترتيب علّي لمكان السبق والتوقّف الذي بينها ، فعالم العقل علّة لعالم المثال ، وعالم المثال علّة مفيضة لعالم المادّة . وثالثاً : إنّ العوالم الثلاثة متطابقة متوافقة نظاماً بما يليق بكلّ منها وجوداً ؛ وذلك لما تقدّم أنّ كلّ علّة مشتملة على كمال معلولها بنحو أعلى وأشرف . ففي عالم المثال نظام مثاليّ يضاهي نظام عالم المادّة وهو أشرف منه ، وفي عالم العقل ما يطابق نظام المثال ، لكنّه موجود بنحو أبسط وأشرف وأجمل . ورابعاً : إنّه ما من موجود ممكن - مادّي أو مجرّد ، علويّ أو سفليّ - إلاّ وهو آية للواجب تعالى من جميع الوجوه يحكي ما عنده من الكمال