وآله ، وعلمت كتاب الله وفيه تبيان كلّ شيء ، والخلق وأمر السماء وأمر الأرض ، وأمر الأوّلين وأمر الآخرين ، وأمر ما كان وما يكون ، كأنّي أنظر إلى ذلك نُصبَ عيني » [1] . ومن الواضح أنّه لا يمكن أن يُقال أنّ هذه الروايات تريد أن تقول أنّ هذه العلوم والمعارف إنّما استُفيدت عن طريق الدلالات اللفظيّة المفادة من خلال ظواهر الآيات القرآنية ، وإنّما لا بدّ من وجود طريق آخر يمكن الاستناد إليه لاستكشاف هذه الأسرار والخبايا التي أشير إليها في النصوص المتقدّمة . والواقع أنّنا لكي نُجيب على مثل هذا التساؤل ، لا بدّ أن نعرف أ للقرآن مراتب وجوديّة أخرى غير هذه المرتبة التي هي بأيدينا أم لا ؟ وهذا ما نحاول الوقوف عليه . المراتب الوجوديّة للقرآن الكريم قبل الولوج في هذا البحث ينبغي تقديم مقدّمة تساهم في إيضاح المطلوب ، حاصلها : أنّه ثبت في الأبحاث الفلسفيّة أنّ الوجود الإمكاني له عوالم كلّية ثلاثة : عالم التجرّد العقلي ، وعالم المثال المنفصل ، وعالم المادّة والماديّات . فالعالم العقلي ، مجرّد تامّ ذاتاً وفعلاً عن المادّة وآثارها . وعالم المثال ، مجرّد عن المادّة دون آثارها من الأشكال والأبعاد والأوضاع وغيرها .
[1] تفسير نور الثقلين ، المحدِّث الجليل العلاّمة الخبير الشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي ، مؤسّسة مطبوعاتي إسماعيليان ، إيران - قم ، صحّحه وعلّق عليه : السيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، الطبعة الرابعة ، 1415 ه : ج 3 ص 76 .