الثاني : إنّ ما ذكر في الاتّجاه الأوّل وإن كان تامّاً بلحاظ ما هو المستفاد من طريق الدلالات اللفظيّة ، إلاّ أنّ هناك اتّجاهاً آخر يعتقد أنّ علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، هو في الكتاب . قال الآلوسي : « وذهب بعضهم إلى ما يقتضيه ظاهر الآية غير قائل بالتخصيص ولا بأنّ « كلّ » للتكثير ، فقال : ما من شيء من أمر الدِّين والدُّنيا إلاّ ويمكن استخراجه من القرآن ، وقد بيّن فيه كلّ شيء بياناً بليغاً » ثمّ نقل عن السيوطي : « أنّ فيه - أي القرآن - علم الأوّلين والآخرين » . ثمّ قال إلاّ أنّه : « لا يحيط بها علماً حقيقة إلاّ المتكلّم به ثمّ رسول الله صلّى الله عليه ] وآله [ وسلّم خلا ما استأثر به سبحانه ، ثمّ ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم . . . ثمّ ورث عنهم التابعون لهم بإحسان ، ثمّ تقاصرت الهمم وفترت العزائم وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه ، فنوّعوا علومه وقامت كلّ طائفة بفنّ من فنونه . وقيل : لا يخلو الزمان من عارف بجميع ذلك ، وهو الوارث المحمّدي ، ويسمّى قطب الأقطاب ، والمظهر الأتمّ ، ومظهر الاسم الأعظم إلى غير ذلك » [1] . وهذا المعنى هو الذي ركّزت عليه الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام : عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول : « والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره ، كأنّه في كفّي ، فيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر ما كان ، وخبر ما هو كائن ، قال الله عزّ وجلّ : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ » [2] .
[1] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، مصدر سابق : ج 14 ص 215 . [2] الأصول من الكافي ، كتاب الحجّة ، باب أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمّة عليهم السلام : ج 1 ص 229 ، الحديث : 4 .