ونظير هذه الأقوال كثير في كلمات أئمّة أهل البيت عليهم السلام . من هنا قد يُقال : « أما كان بوسع السلطة - وهي تملك ما تملك من وسائل القمع - أن تقضي على هذه الجبهة المعارضة - ذات الدعاوى العريضة ، من أيسر طرقها ، وذلك بتعريض أئمّتها لشيء من الامتحان العسير في بعض ما يملكه العصر من معارف ، وبخاصّة ما يتّصل منها بغوامض الفقه والتشريع ، ليسقط دعواها في الأعلميّة من الأساس ، أو يعرّضهم إلى شيء من الامتحان في الأخلاق والسلوك ليسقط ادّعاؤهم العصمة . وإذا كان في الكبار منهم عصمة وعلم ، نتيجة دربة ومعاناة ، فما هو الشأن في ابن عشرين عاماً أو ابن ثمان ، فهل تملك الوسائل الطبيعيّة تعليلاً لتمثّلهم لذلك كلّه . ولو كان هؤلاء الأئمّة في زوايا وتكايا ، وكانوا محجوبين عن الرأي العام ، كما هو الشأن في بعض الفرق الباطنيّة ، لكان لإضفاء الغموض والمناقبيّة على سلوكهم من الأتباع مجال ، ولكن ما نصنع وهم مصحِرون بأفكارهم وسلوكهم وواقعهم تجاه السلطة وغيرها من خصومهم في الفكر ، والتاريخُ حافل بمواقف السلطة منهم ومحاربتها لأفكارهم وتعريضهم لمختلف وسائل الإغراء والاختبار ، ومع ذلك فقد حفل التاريخ بنتائج اختباراتهم المشرّفة وسجّلها بإكبار . ولقد حدّث المؤرّخون عن كثير من هذه المواقف المحرجة ، وبخاصّة مع الإمام الجواد ، مستغلّين صغر سنّه عند تولّي الإمامة . وحتّى لو افترضنا سكوت التاريخ عن هذه الظاهرة ، فإنّ من غير الطبيعي أن لا تحدث أكثر من مرّة تبعاً لتكرّر الحاجة إليها ، بخاصّة وأنّ المعارضة كانت على أشدّها في العصور العبّاسيّة .