الخلافة والإمامة لعليّ وأولاده من الأمور التي أكّدها وركّز عليها النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله ، فلماذا أصيبت بمثل هذه الضبابيّة والإبهام ، وصارت منشأً للنقض والإبرام ؟ والجواب : أنّ السلطات الحاكمة وأجهزتها الإعلاميّة كانت تعمل بكلّ ما وسعها من أجل طمس الحقائق التي لا ترتضيها ولا تصبّ في مصالحها ، كما نجد ذلك واضحاً بالنسبة إلى الإمام عليّ عليه السلام وهو أقرب الصحابة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله علماً وعملاً [1] ، حيث سُنّ لعنه وشتمه على منابر المسلمين ولعشرات السنين ، ولم يمض على رحلة الرسول الأعظم إلاّ ثلاثون عاماً . قال ابن أبي الحديد في مقدّمة شرحه : « فقد علمت أنّه استولى بنو أميّة على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها ، واجتهدوا بكلّ حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعايب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمّن له فضيلة أو يرفع له ذكراً ، حتّى حظروا أن يسمّى أحد باسمه . . . » [2] . فإذا كان بمقدور هذه الأجهزة كتمان الحقيقة وتشويهها ، وإيصال الأمّة إلى هذا المستوى من الجهل بأقرب الصحابة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فإنّ بإمكانها أيضاً أن تخفي الحقيقة المتعلّقة بالأئمّة الأحد عشر بطريق أولى ،
[1] أخرج الحاكم في المستدرك عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « من يريد أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة الخُلد التي وعدني ربّي ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة » . قال الحاكم : « هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه » . المستدرك على الصحيحين ، مصدر سابق : ج 3 ص 128 . [2] شرح نهج البلاغة ، مصدر سابق : ج 1 ص 42 .