فهذه الديانة التي من تقدّمها غرق في بحر الإفراط ، ومن نقصهم عن هذه المراتب التي رتّبهم الله فيها زهق في برّ التفريط ولم يوفّ آل محمّد حقّهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم . ثمّ قال : خذها يا محمّد فإنّها من مخزون العلم ومكنونه » [1] . ممّا تقدّم يتبيّن أنّه لا تنافي بين أنّه صلّى الله عليه وآله قد فُوّض إليه أمر التشريع ، وبين قوله تعالى : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ( ( آل عمران : 128 ) ; وذلك لما ورد عن جابر الجعفي قال : « قرأت عند أبي جعفر الباقر عليه السلام قول الله عزّ وجلّ : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ( . قال : بلى والله إنّ له من الأمر شيئاً وشيئاً وشيئاً . وليس حيثُ ذهبت ، ولكنّي أخبرك أنّ الله تبارك وتعالى لمّا أمر نبيّه صلّى الله عليه وآله أن يُظهر ولاية عليّ عليه السلام ، فكّر في عداوة قومه ومعرفته بهم ، وذلك للذي فضّله به عليهم في جميع خصاله ، كان أوّل من آمن برسول الله صلّى الله عليه وآله وبمن أرسله ، وكان أنصر الناس لله ولرسوله صلّى الله عليه وآله ، وأقتلَهم لعدوّهما ، وأشدّهم بغضاً لمن خالفهما ، وفضل علمه الذي لم يساوه أحدٌ ، ومناقبه التي لا تُحصى شرفاً . فلمّا فكّر النبيّ صلّى الله عليه وآله في عداوة قومه له في هذه الخصال وحَسَدهم له عليها ، ضاق عن ذلك ، فأخبر الله أنّه ليس له من هذا الأمر شيء ، إنّما الأمر فيه إلى الله أن يُصيّر عليّاً عليه السلام وصيّه ووليّ الأمر بعده ، فهذا عنى الله تعالى . وكيف لا يكون له من الأمر شيء ، وقد فوّض الله إليه أن جعل ما أحلّ
[1] الأصول من الكافي : ج 1 ص 441 ، كتاب الحجّة ، باب مولد النبيّ صلّى الله عليه وآله ، الحديث : 5 .