قوله : ثمّ أدعهن يأتينك ، فإنّه تعالى جعل إتيانهنّ سعياً - وهو الحياة - مرتبطاً متفرّعاً على الدعوة ، فهذه الدعوة هي السبب الذي يفيض عنه حياة ما أُريد إحيائه - وإن كان لا إحياء إلاّ بأمر الله وإذنه - . فدعوة إبراهيم عليه السلام إيّاهنّ بأمر الله ، قد كانت متّصلة نحو اتّصال بأمر الله الذي منه تترشّح حياة الأحياء ، وعند ذلك شاهده إبراهيم ورأى كيفيّة فيضان الأمر بالحياة ، ولو كانت دعوة إبراهيم إيّاهن غير متّصلة بأمر الله الذي هو أن يقول لشيء أراده : كُن فيكون ، كمثل أقوالنا غير المتّصلة إلاّ بالتخيّل كان هو أيضاً كمثلنا إذا قلنا لشيء كن فلا يكون ، فلا تأثير جزافي في الوجود » [1] . والحاصل أنّ الآية صريحة في أنّ الله تعالى أقدر إبراهيم الخليل عليه السلام على إحياء الموتى بأمر الله وإذنه . 3 - قوله تعالى : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( ص : 36 - 39 ) . 4 - قوله تعالى : ( وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) ( سبأ : 10 ) . 5 - قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ) ( طه : 77 ) . فهذه النصوص ونظائرها كثير في القرآن ، كلّها تبيّن حقيقة في غاية الوضوح ، وهي أنّ الله أقدر بعض عباده على التصرّف في نظام التكوين بإذنه وأمره ، وهذا هو الذي نريده من التفويض بنحو الإذن الإلهي .
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 2 ص 375 .