وممّا ينبغي الالتفات إليه هو أنّ ما يدّعيه الغلاة من التفويض الاستقلالي ، هو عين ما ذهبت إليه المعتزلة في بحث القضاء والقدر [1] . وهو أنّ الإنسان وإن كان محتاجاً إلى الله سبحانه في أصل وجوده وقدرته ، أمّا استخدام هذه القدرة في الفعل والترك فهو مستقلّ فيه تماماً . حتّى أنّه نسب إلى أصحاب هذا الاتّجاه أنّه لو عُدم الواجب بعد إيجاد الإنسان لما ضرّ ذلك وجوده شيئاً ; لحاجته إلى المبدأ في أصل وجوده لا في إعمال قدرته فعلاً أو تركاً . وهذا هو المعروف بالتفويض الاعتزالي ، وهو أمرٌ مرفوض لدى مدرسة أهل البيت عليهم السلام القائلين بنظريّة الأمر بين الأمرين ، كما أوضحناه في محلّه . ولعلّ خير ما يميّز بين هذين النحوين من التفويض ، ما جاء في بعض بيانات الإمام علي عليه السلام : عن عليّ بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : « مرَّ أمير المؤمنين عليه السلام بجماعة بالكوفة وهم يختصمون في القدر ، فقال لمتكلّمهم : أبالله تستطيع أم مع الله أم من دون الله تستطيع ؟ فلم يدْرِ ما يردّ عليه . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّك إن زعمت أنّك بالله تستطيع ، فليس لك من الأمر شيء ، وإن زعمت أنّك مع الله تستطيع فقد زعمت أنّك شريك معه في ملكه ، وإن زعمت أنّك من دون الله تستطيع فقد ادّعيت الربوبيّة من دون الله عزّ وجلّ . فقال : يا أمير المؤمنين لا بل بالله أستطيع .
[1] ينظر : التوحيد ، السيّد كمال الحيدري ، مصدر سابق : ج 2 ص 38 .