هذه الحواس الظاهرة والباطنة . فكيف يدرك النبيّ أو الوليّ الوقائع الماضية والآتية والأمور الحاليّة الحادثة في الأماكن البعيدة مع وجود الحائل ؟ وكيف يسمع الصوت من عالم آخر لا يسمعه غيره ؟ ويرى الملك والموجودات الغيبيّة ، وليس لأحد قوّة مدركة لذلك . وكذلك كلّ شيء معارض بشبهة ، ولا يتخلّص عنها إلاّ من ارتاض وتمرّن بتمييز وساوس الأوهام من مدركات العقول . والوهم متقيّد بالعادات وانحصار الحقيقة في حدود خاصّة استأنسها ، فإذا فاجأها غير المأنوس أنكره واستوحش منه ، وعدّ قائله سفيهاً أو نسبه إلى الضلال والكفر » [1] . من هنا جاءت الروايات مبيّنة هذه الحقيقة ، وأنّ الناس ليسوا على درجة واحدة من الفهم والإدراك والتحمّل لمثل هذه الحقائق والمعارف . فمثلاً في بيان حقيقة التوحيد ، تارةً يقولون إنّ التوحيد هو ما عليه الناس ، كما في النصّ الوارد عن سعد بن سعد قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التوحيد ، فقال : « هو الذي أنتم عليه » [2] . وأخرى يبيّنونه بنحو عميق ودقيق لا يحتمله إلاّ الأوحدي من خواصّ تلامذتهم ، كما في النصّ الوارد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال : « دخلت على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقال لي : أتنعت الله ؟ فقلت : نعم . قال : هات ، فقلت : هو السميع البصير . قال : هذه صفة يشترك فيها المخلوقون . قلت : فكيف تنعته ؟ فقال عليه السلام : هو نورٌ لا ظلمة فيه ، وحياةٌ لا موت فيه ، وعلمٌ لا جهلَ
[1] شرح الأصول والروضة : تعليقة الشعراني ، مصدر سابق ، ج 7 ص 2 . [2] التوحيد ، للصدوق : ص 47 ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، الحديث : 6 .