لا بدّ من الإشارة إلى أنّ حيثيّة الصعوبة وعدم الاحتمال في بعض أحاديثهم ينشأ من جهات عدّة : الجهة الأولى : قد يكون ناشئاً من عدم إدراك الحقائق العقليّة ، لعدم استعداد البعض لفهمها لدقّتها وعمقها ؛ من هنا جاء النهي لهؤلاء عن التعرّض لما لا يفهمون ، وكذلك نُهي الخواصّ عن إلقاء مثل هذه المعارف إليهم كما ورد عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام حيث قال ليونس : « يا يونس ارفق بهم ، فإنّ كلامك يدقّ عليهم » [1] . فمثلاً يعسر على غير المتدرّبين في العقليّات أن يفرّقوا بين الحدوث الزماني والحدوث الذاتي ، والفاعل بالاختيار والعلّة التامّة ، وكذلك يعسر عليهم التفرقة بين المحال العادي والمحال العقلي ، وبين النادر الوقوع والمحال العادي وهكذا . الجهة الثانية : وقد يكون بسبب قوّة الواهمة ومعارضتها لما قام عليه البرهان العقلي ؛ قال الشعراني : « وسرّ ذلك أنّه ما من مسألة من المسائل العقليّة والأصوليّة إلاّ وللوهم فيها معارضة ومكافحة ، يجب التمرّن لدفع وسوسته حتّى يؤمن العقل من إبداء الأدلّة ويخضع النفس له ، ولا بدّ أن يكون الناظر في الأدلّة متمرّناً في تفكيك مدركات الوهم عن مدركات العقل ويرتاض حتّى يعتاد ، ولا يحصل ذلك بسهولة لكلّ أحد ، والمثال المعروف أنّ العقل يركّب قياساً من مقدّمات بيّنة ، فيقول : الميّت جماد ، والجماد لا يخاف منه ، فينتج : الميّت لا يخاف منه ، فيعترف العقل بهذه النتيجة ولا يعترف الوهم . وكذلك الإيمان بالله يعارضه الوهم بأنّ كلّ موجود محسوس ، والله تعالى ليس بمحسوس ، فهو - نعوذ بالله - ليس بموجود ، والإيمان بالوحي والنبوّة يعارضه الوهم بأنّ ليس للإنسان قوّة إدراكيّة غير
[1] بحار الأنوار ، مصدر سابق : ج 2 ص 66 ، كتاب العلم ، الباب : 26 ، الحديث : 6 .