الخلافة ليست هي الخلافة السياسيّة في الأمّة ، وإنّما المراد منها الخلافة عنه تعالى لقوله : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) والخلافة هي قيام شيء مقام آخر . وحيث إنّه تعالى متّصف بجميع الصفات الجماليّة والجلاليّة ومنزّه عن كلّ نقص ، ومقدّس في فعله عن كلّ خلل ، جلّت عظمته وحكمته ، إذن لا بدّ أن يكون خليفته حاكياً للمستخلف في جميع شؤونه الوجوديّة وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف ، ولذا قالت الآية ( وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ) وهو يفيد العموم لأنّه محلّى باللام ومؤكّد بقوله : « كلّها » . ثمّ إنّ هذه الآيات تشير إلى أنّ هذا الخليفة الأرضي تعلّم من الله مباشرةً وبلا واسطة ، وصار معلّماً لجميع الملائكة بما فيهم المقرّبون ؛ لقوله : ( فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) ( الحجر : 30 ) ؛ وهذا يكشف بوضوح أعلميّة وأفضليّة الإنسان الكامل على جميع الملائكة . قال الآلوسي معقّباً على هذه الآية : « فكأنّه قال جلّ شأنه : أريد الظهور بأسمائي وصفاتي ، ولم يكمل ذلك بخلقكم ( أي الملائكة ) فإنّي أعلم ما لا تعلمونه ؛ لقصور استعدادكم ونقصان قابليّتكم ، فلا تصلحون لظهور جميع الأسماء والصفات فيكم ؛ فلا تتمّ بكم معرفتي ولا يظهر عليكم كنزي ، فلا بدّ من إظهار مَن تمّ استعداده وكمُلت قابليّته ليكون مجلى لي ومرآةً لأسمائي وصفاتي ، ومظهراً للمتقابلات فيَّ ومظهراً لما خفي عندي ، وبي يسمع وبي يُبصر وبي وبي » [1] . وقال في موضع آخر : « ولم تزل تلك الخلافة في الإنسان الكامل إلى قيام الساعة وساعة القيام ، بل متى فارق هذا الإنسان العالم مات العالم ، لأنّه الروح الذي به قوامه ، فهو العماد المعنوي للسماء ، والدار الدُّنيا جارحة من
[1] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، مصدر سابق : ج 1 ص 223 .