الأوسط مقدّماً على الشعور بالمطلوب » [1] . بعد أن اتّضحت هذه المقدّمة - وإن طالت قليلاً - نقول : إنّه لا منافاة بين النصوص التي دلّت بشكل واضح أنّ الإمام يعلم كلّ شيء بالفعل ، وبين الروايات التي قيل إنّها تدلّ على أنّ علمهم بالقوّة ، وذلك لأنّ كون علمهم بالفعل بمعنى أنّهم عالمون بالفعل لا ينافي أنّهم إن شاءوا علموا ، لما بيّناه أنّ هذه العلوم والمعارف جميعاً إنّما هي موجودة فيهم ومعهم ، إن شاءوا استحضروا ما يعلمونه وإن لم يشاءوا لم يفعلوا ، كما هو الحال في قوّة الخيال لدى الإنسان ، فإنّ علمه بالشيء المعيّن موجود عنده بالفعل ، فإذا أراد أن يستحضر صورة معيّنة من خزائنه فعل وإن لم يرد لم يستحضر . وعلى هذا الأساس فلا منافاة بين أن يكون الإنسان عالماً بشيء بالفعل ، ومع ذلك يمكنه أن لا يتوجّه إليه ، ولو شاء أن يحضره من خزائنه فهو قادرٌ على ذلك . فإن قيل : هناك بعض الروايات عبّرت « أعلمه الله ذلك » كما في رواية أبي عبيدة المدائني عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : « إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك » وهو لا يتلاءم مع دعوى أنّ علمهم عليهم السلام بالفعل وليس بالقوّة . قلنا : إنّ هذه الصيغة وما يشابهها ليست بصدد بيان أنّ علم الإمام ليس بالفعل ، وإنّما هي في مقام بيان أنّ كلّ ما عند أهل البيت عليهم السلام من علم فهو من الله تعالى ، من قبيل ما ورد في مسألة العلم بالغيب : عن معمّر بن خلاّد قال : سأل أبا الحسن عليه السلام رجلٌ من فارس فقال له : أتعلمون الغيب ؟ فقال : « يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنّا فلا
[1] المباحث المشرقيّة في علم الإلهيّات والطبيعيّات ، مصدر سابق : ج 1 ص 353 .