وهذا ما أشار إليه جملة من أعلام المسلمين تصريحاً وتلويحاً : قال الطباطبائي : « إنّ هذه الروح - أي روح القدس - ليست مغايرة للروح الإنساني بالعدد ، بل إنّما هي مغايرة لها بحسب المرتبة ، كما وقع نظيره في الرواية ، حيث عدّ روح الحركة مغايرة لروح الشهوة ، مع أنّ المغايرة بينهما إنّما هي بحسب المرتبة دون العدد » [1] . وقال الرازي : « الاستعداد يتفاوت في الناس ، فربّ إنسان لو أكبّ طول عمره على تعلّم مسألة تعذّر عليه ذلك وانصرف عنه بدون مطلوبه ، وربّ إنسان يكون بالعكس حتّى أنّه لو التفت ذهنه إليه أدنى لفتة حصل له ذلك . ولما رأينا أنّ الدرجات فيه متفاوتة والمراتب مختلفة بالقوّة والضعف والأقلّ والأكثر ، فلا يبعد وجود نفس بالغة إلى الدرجة القصوى في القوّة وسرعة الاستعداد لإدراك الحقائق ، حتّى كان ذلك الإنسان يحيط علماً بحقائق الأشياء من غير طلب منه وشوق ، بل ذهنه ينساق إلى النتائج من غير مزاولة منه لذلك ، ثمّ من تلك النتائج إلى غيرها حتّى يحيط بغايات المطالب الإنسانيّة ونهايات الدرجات البشريّة ، وتلك القوّة تسمّى قدسيّة . ومخالفتها - أي من يملك القوّة القدسيّة - لسائر النفوس بالكم والكيف . أمّا الكمّ فلأنّها أكثر استحضاراً للحدود الوسطى ، وأمّا الكيف فلأنّها أسرع انتقالاً من المبادئ إلى الثواني ومن المقدّمات إلى النتائج . ويخالف سائر النفوس من جهة أخرى ، وهي أنّ سائر النفوس تعيّن المطالب ثمّ تطلب الحدود الوسطى المنتجة لها ، وأمّا النفوس القدسيّة فيقع الحدّ الأوسط في ذهنها ويتأدّى الذهن منه إلى النتيجة المطلوبة ، فيكون الشعور بالحدّ
[1] الأصول من الكافي ، مصدر سابق : ج 2 ص 676 ، آخر كتاب العشرة .