والحاصل : ظاهر الآية أنّ المراد هو التشابه المصداقي ، بمعنى أنّ هناك أُناساً في قلوبهم زيغٌ ، فيتّبعون الآيات التي مصاديق مداليلها المفهوميّة في الخارج لا تنسجم مع واقع مصاديقها ; لأنّ هذه من عالم الشهادة والمادّة وتلك من عالم الغيب . فيطبّقونها على المصاديق الخارجيّة الحسّية باعتبار عدم معروفيّة تلك المصاديق الغيبيّة وعجز الذهن البشري عن إدراكها في هذه النشأة ، ويحاولون بذلك إلقاء الشبهة والفتنة والبلبلة في الأذهان ، وهذا مسلك عامّ حاول البعض اتّباعه في فهم وتفسير الآيات المتشابهة . وهذا ما أكّده الطباطبائي في مواضع متعدّدة من تفسيره ، فذكر أنّه : « ليس بين آيات القرآن آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها بحيث يتحيّر الذهن في فهم معناها ، وكيف ! وهو أفصح الكلام ، ومن شرط الفصاحة خلوّ الكلام عن الإغلاق والتعقيد ، حتّى أنّ الآيات المعدودة من متشابه القرآن هي في غاية الوضوح من جهة المفهوم ، وإنّما التشابه في المراد منها وهو ظاهر ، وإنّما الاختلاف كلّ الاختلاف في المصداق الذي تنطبق عليه المفاهيم اللفظيّة من مفردها ومركّبها ، وفي المدلول التصوّري والتصديقي » [1] . وقال في موضع آخر : « إنّ المراد بالتشابه كون الآية بحيث لا يتعيّن مرادها لفهم السامع بمجرّد استماعها ، بل يتردّد بين معنىً ومعنىً حتّى يرجع إلى محكمات الكتاب فتعيّن هي معناها وتبيّنها بياناً ، فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة ، والآية المحكمة محكمة بنفسها كما في قوله تعالى : ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ( القيامة : 23 ) ، فإنّه يشتبه المراد منه على
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 1 ص 9 .