الفتنة والمشاغبة وتشويش الأذهان ، وذلك لزيغ ومرض في قلوبهم . وطائفة أخرى وهم الراسخون في العلم الذين ثبتوا على اتّباع المحكم والإيمان بالمتشابه يقولون : ( آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ) . وهذا القول اختاره جملة من الأعلام منهم الطباطبائي في تفسيره ، قال ما نصّه : « إنّ الآية بقرينة صدرها وذيلها وما تتلوها من الآيات إنّما هي في مقام بيان انقسام الكتاب إلى المحكم والمتشابه ، وتفرّق الناس في الأخذ بها ، فهم بين مائل إلى اتّباع المتشابه لزيغ في قلبه ، وثابت على اتّباع المحكم والإيمان بالمتشابه لرسوخ في علمه . وعليه فالقصد الأوّل في ذكر الراسخين في العلم ، بيان حالهم وطريقتهم في الأخذ بالقرآن ومدحهم فيه ، قبال ما ذكر من حال الزائغين وطريقتهم وذمّهم . والزائد على هذا القدر خارج عن القصد الأوّل ، ولا دليل على تشريكهم في العلم بالتأويل مع ذلك إلاّ وجوه غير تامّة . فيبقى الحصر المدلول عليه بقوله تعالى : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) من غير ناقض ينقضه من عطف أو استثناء وغير ذلك . فالذي تدلّ عليه الآية هو انحصار العلم بالتأويل فيه تعالى واختصاصه به » [1] . واستدلّوا لذلك - بالإضافة إلى ما تقدّم - بقرينة داخليّة وشواهد خارجيّة . أمّا القرينة الداخليّة ، فهي بأنّ الظاهر أنّ جملة ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ( معادلة لجملة ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ( والتقدير : وأمّا الراسخون في العلم فيقولون آمنّا به كلّ من عند ربّنا . ولو كانت الجملة عاطفة لا مستأنفة للزم
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 3 ص 51 .