الجمل ، فيكون ( الراسخون ) معطوفاً على اسم الجلالة فيدخلون في أنّهم يعلمون تأويله . ولو كان ( الراسخون ) مبتدأ ، وجملة ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ ) خبراً ، لكان حاصل هذا الخبر ممّا يستوي فيه سائر المسلمين الذين لا زيغَ في قلوبهم ، فلا يكون لتخصيص الراسخين فائدة . قال ابن عطيّة : تسميتهم راسخين تقتضي أنّهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب ، وفي أيّ شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلاّ ما يعلمه الجميع ، وما الرسوخ إلاّ المعرفة بتصاريف الكلام بقريحة معدّة . وما ذكرناه وذكره ابن عطيّة لا يعدو أن يكون ترجيحاً لأحد التفسيرين وليس إبطالاً لمقابله ، إذ قد يوصف بالرسوخ من يفرّق بين ما يستقيم تأويله وما لا مطمع في تأويله » [1] . وقال السبزواري في « مواهب الرحمن » : « المعروف بين المفسّرين وجمع من الأدباء أنّ جملة : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يقولون آمنا به ) مستأنفة ، وأنّ الجملة الأولى مبتدأ والثانية خبر ، فيكون المعنى : أنّ الراسخين في العلم يقولون آمنّا بالله عزّ وجلّ وأنّ الآيات كلّها من عند الله تعالى ، في مقابل من كان في قلبه زيغٌ فيتّبع ما تشابه منها . إلاّ أنّ هذا الوجه بعيد عن سياق الآية الشريفة . والمنساق من الآية أنّ الجملة معطوفة على « الله » أي لا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم . والراسخ في العلم منحصر بسيّد الأنبياء صلّى الله عليه وآله ومن استفاد منه هذا العلم ، حيث قال فيه : اللّهُمَّ علّمه التأويل . فالجملة ليست مستأنفة بل معطوفة على المستثنى ، ويكون من قبيل
[1] التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور ، مصدر سابق : ج 3 ص 24 .