والرسوخ في كلام العرب : الثبات والتمكّن في المكان ، يُقال : رسخت القدم ترسخ رسوخاً إذا ثبتت عند المشي ولم تتزلزل ، واستعير الرسوخ لكمال العقل والعلم بحيث لا تضلّله الشُّبه ولا تتطرّقه الأخطاء غالباً ، وشاعت هذه الاستعارة حتّى صارت كالحقيقة . فالراسخون في العلم الثابتون فيه العارفون بدقائقه ، فهم يحسنون مواقع التأويل ويعلمونه . ولذا فقوله : ( والراسخون ) معطوف على اسم الجلالة ، وفي هذا العطف تشريف عظيم كقوله : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ) ( آل عمران : 18 ) . وإلى هذا مالَ ابن عبّاس ، ومجاهد ، والربيع بن سليمان ، والقاسم بن محمّد ، والشافعيّة ، وابن فورك ، والشيخ أحمد القرطبي ، وابن عطيّة . وعلى هذا فليس في القرآن آية استأثر الله بعلمها . ويؤيّد هذا أنّ الله أثبت للراسخين في العلم فضيلة ووصفهم بالرسوخ ، فأذن بأنّ لهم مزيّة في فهم المتشابه ، لأنّ المحكم يستوي في علمه جميع من يفهم الكلام . وحكى إمام الحرمين عن ابن عبّاس أنّه قال في هذه الآية : أنا ممّن يعلم تأويله . وقيل : « الوقف على قوله : « إلاّ الله » وإنّ جملة ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ( مستأنفة » ، وهذا مرويّ عن جمهور السلف ، وهو قول ابن عمر ، وعائشة ، وابن مسعود ، وأُبيّ ، ورواه أشهب عن مالك ، وقال عمرو بن الزبير ، والكسائي ، والأخفش ، والفرّاء ، والحنفيّة ، وإليه مالَ فخر الدِّين . ويؤيّد الأوّل وصفهم بالرسوخ في العلم ، فإنّه دليل بيّن على أنّ الحكم الذي أثبت لهذا الفريق هو حكم من معنى العلم والفهم في المعضلات وهو تأويل المتشابه . على أنّ أصل العطف هو عطف المفردات دون عطف